أثارت قضية الإعتداء الذي تعرض لها أحد الأساتذة المتعاقدين على يد أحد أعوان السلطة ( مقدم ) ، إعادة طرح سؤال إختصاصات ومكانة أعوان السلطة في الهرم الإداري ، وزارة الداخلية .

فمن جهة وجب التذكير ،قبل تناول مضوعنا بالتفصيل وتماشيا مع ما حققه المغرب من مكتسبات حقوقية، هي نتاج نظال حقوقي مستمر، فإن الفعل شنيع و غير مقبول ذلك الذي صدر عن أحد أعوان السلطة ضاربا عرض الحائط كرامة وقيمة الإنسان، فما شاهدناه و عايناه من تعنيف لاساتذة و بكل أسى وحسرة ، حيث لا يمكن البتة قبول سلوكات من هذا القبيل، وفي دولة جاء في فصلها 22 من دستورها على أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية للأفراد تحت أي ظرف كان، وفي دولة صادقت على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تتعهد من خلالها على حفظ سلامة مواطنيها الجسدية، وكذا دولة نصت فصولها في القانون الجنائي على تجريم الشطط في إستعمال السلطة، وجرمت من خلال المادة 380 إنتحال صفة ينظمها القانون و القيام بأعمالها .

وعودة بقرائنا الكرام بخصوص وضعية اعوان السلطة الادارية ،فكل المؤشرات تؤكد انه ليس هناك ” نص “قانوني يوضح اختصاصاتهم داخل الهرم الاداري للداخلية، كل ما هناك وما أثبتته الممارسة، أن تعيينهم يتم عن طريق الاقتراح من طرف القائد اوالباشا بعد استشارة قسم الشؤون العامة DAI وبعد منح التزكية و يسلم للعامل أو الوالي. اما في حالة اعفاءهم ،فيتم ذلك بقرار من وزير الداحلية بعد تقرير العامل او الوالي ، و الذي يسلم له من طرف الجهات المختصة ويتم بعدها تحويل السلطة الكاملة للتعيين والاعفاء للعامل او الوالي.

و يمكن اعتبار أن الوضعية الادارية لأعوان السلطة ، هي وضعية مشابهة لوضعية المؤقتين ، فهم بالتالي محرومون من جميع الحقوق التي يتمتع بها الموظفون العاديون ، وإن كانوا من الناحية العملية موظفين معينين من طرف السلطة الادارية.
ويخضع عون السلطة، في وضعه ومهامه للتسلسل الاداري بمعنى يتلقى الاوامر والتعليمات ويسأل عن أعماله وأفعاله. و اعوان السلطة يوضعون تحت التصرف المباشر للقايد مما يجعلهم يشكون من عدم الوضوح في التعامل مع وضعيتهم الادارية الغامضة الى حدود الآن …

إن أعوان السلطة لا يتوفرون على أية وضعية قارة على الصعيد القانوني والإداري، فهم غير مدمجين في نظام الوظيفة العمومية و ليست لهم حقوق وواجبات مضبوطة، ولا يخضعون لقانون الشغل ولا لقوانين الوظيفة العمومية فيما يخص الاجور والتعويضات والحق في العطل والضمان الاجتماعي و التقاعد..

والمقدم أو عون سلطة يعد مؤسسة قديمة في تاريخ الدولة بالمغرب، حيث ارتبط بالأساس بالبنية الهرمية والتراتبية عبر تطورها التاريخي، فالمقدم كان دائما رتبة ضمن هرمية تنظيمية لمؤسسة كانت دينية، كمقدم الزاوية، أو إدارية كمقدم الدوار بالقرى أو مقدم الحومة بالحواضر والمدن.

والمقدم في تاريخ “رجال السلطة بالمغرب” ، يثم إختياره عادة من الأعيان، يتمتع بكل الصفات والخصال الحميدة بالإضافة إلى الجاه والثروة خاصة بالقرى ، فقد كان يعتبر إلى جانب القياد من الشخصيات السياسية والإدارية المهمة التي تمثل السكان وتشرف على شؤونهم المحلية والجماعية.

و مع بسط الحماية الاستعمارية على المغرب، وظفت سلطات الحماية القياد والشيوخ والمقدمين كآليات للتحكم في السكان من خلال إبلاغ الأوامر وتنفيذ التعليمات، ونقل كل ما يروج إلى السلطات الاستعمارية. ولعل هذا ما جعل سلطات الحماية في عملية عصرنتها للبنية السياسية والإدارية في البلاد ، تعتمد على هذه البنية المخزنية التقليدية في تسيير البلاد ومراقبة السكان. ومن ثم، لعب المقدم دورا أساسيا في إيصال المعلومات ونقل الأخبار، نظرا لانتمائه القبلي والعائلي إلى المنطقة نفسها التي يعين فيها، و اطلاعه الدقيق على مختلف جزئيات الساكنة. ومن ثم، فقد تحول كأداة من أدوات نقل المعلومة والتجسس وإخبار سلطة الحماية بكل ما يدور في مجال نفوذه.

كما يعتبر المقدم كأداة من أدوات الصراع السياسي الذي احتدم بين سلطات الحماية وبين بعض مكونات الحركة الوطنية، والذي اتخذ طابعا دمويا بين الأجهزة الأمنية للاحتلال وبين خلايا المقاومة المسلحة، جعل هذه الأجهزة تلجأ إلى خدمات الشيوخ وخاصة المقدمين لجمع المعلومات والتجسس على المقاومين خاصة في المدن القديمة، التي كان يتكدس فيها ما كان يسمى بالأهالي، أو في القرى .

كما يعتبر المقدم أيضا آلية استخباراتية وذلك وفق مذكرة صادرة عن وزارة الداخلية في سنة1959، حيث يتكلف كل مقدم بحي من الأحياء، أو في دوار من الدواوير بإبلاغ القايد، الذي يعدّ رئيسه المباشر، بمختلف ما يجري في مجال نفوذه من أحداث وحوادث تتصل بحياة وأنشطة السكان مستقيا معلوماته من شبكة عيون المدينة كبعض أصحاب الحوانيت والبقالة، وبوابي العمارات والمساكن، وحراس السيارات بمختلف الدروب والأزقة.

ليقوم القايد، اعتمادا على معلومات المقدمين، بتحرير تقرير يومي يطلق عليه اختصارا (البركي) يبعث إلى رئيس قسم الشؤون العامة في كل عمالة وإقليم، والذي يقوم بدوره بإرسال تقريره إلى وزارة الداخلية . بالإضافة إلى ذلك، فقد أصبحت الإدارة الترابية تعتمد، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي التي شهدت تنامي الحركات الأصولية داخل المشهد السياسي بالمغرب، على جهاز المقدمين لإحصاء مرتادي الدور القرآنية والتجمعات المرتبطة بانشطة ذات طابع ديني وغيرها ….

ونتيجة لذلك، يعتبر المقدم آلية أساسية من آليات تجميع المعلومات، والاطلاع على ما يجري بين الساكنة؛ فأي خلل يصيب هذا الجهاز إلا و يؤثر على انسياب المعلومات وتجميعها من لدن السلطة المحلية والمركزية. وهكذا، يتم تداول مقولة شائعة بأنه إذا “عطس جهاز المقدمين” أصيب شريان مخابرات الداخلية أي مديرية الشؤون العامة بـ”الزكام”.

ومن ثمّ، فإن الاعتماد على هذا الجهاز يجعل من الشبكة الاستخباراتية بالمغرب شبكة متميزة عن الأجهزة الاستخباراتية بالعديد من الدول الحديثة نظرا لاعتمادها على ثنائية استخباراتية فريدة من نوعها. فإلى جانب الأجهزة الاستخباراتية التي تعتمد على وسائل تكنولوجية للحصول على المعلومات وآليات عصرية وحديثة لتتبعها وكفاءات وأطر مدربة تدريبا عاليا ، كالمديرية العامة للوثائق والمستندات “DGED”، والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني” DJST” ، وجهاز الاستعلامات العامة المكلف بجمع المعلومات السياسية في المجال الحضري او القروي والتابع اما للمديرية العامة للامن الوطني او للقيادة العليا للدرك الملكي ، تعتمد مديرية الشؤون العامة بوزارة الداخلية على مكاتب لها في كل ولاية أو عمالة أو باشوية أو قيادة أو مقاطعة في مختلف أنحاء المملكة التي تستقي معطياتها من المعلومات التي تلتقطها آذان وعيون المقدمين؛ وهو ما أضفى على الجهاز الاستخباراتي بالمغرب نجاعة أمنية أسهمت بشكل فعال في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية التي تهدد الوضع الأمني بالمملكة.

ولعل هذا ما دفع بالسلطة المركزية بالبلاد إلى الاهتمام بعقد بعض الدورات التدريبية للمقدمين لتحسين قدراتهم في مجال تصيد المعلومة ومتابعة الوضع المحلي .

ومن وجهة نظرنا الخاصة نعتقد على أن جهاز أعوان السلطة أسدى خدمات جليلة للنظام و المجتمع على حد سواء خصوصا في مرحلة بعد الإستقلال، لكن وربطا بما حدث ، علينا الجزم والحسم ، أنه وجب القطيعة مع كل الممارسات الرجعية التي تعود بنا خطوات للوراء في مسار ترسيخ حقوق الإنسان و الحريات العامة، وسيادة القانون ، و الضرب بيد من حديد لكل من سولت له نفسه المس بالسلامة الجسدية للمواطنين.

ذ/ الحسين بكار السباعي / محام بهيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون.