الشاعرة فاطمة بصور بعين الناقدة والكاتبة أسماء المصلوحي.
- بورتري*
فاطمة بصور
زجالة أخذت عقل الكلام إلى جنون المعنى
أسماء المصلوحي
1 – جنون الشعر في عقل الكلام:
“وَاقِـيـلاَ،
كَـنْ عْـلِـيََّـا،
مَـنْ لَـبْـدُو،
مَ نْـشَـدّْشْ لْ مَـرْسَـولُـو،
فَ اٌلـنّْـݣَـــرْ،
كَـنْ عْـلِـيَّــا،
اٌنْـصَـدّْ ؤُنَـعْـطِـيـهْ بْ لَـݣْـفَـى،
مَـللِّي يَـلَّلـهْ كَــنْ يَــتْـهَـجََّـى،
كِـيـفَـاشْ مْـعَ خْـيَـالِـي يَـهْـضَـرْ،
كَـنْ عْـلِـيَّـا،
نْـرُوغْ عْـلَـى ظَـلُّـو،
قْـبَـلْـمَــا فْ حَـوْضِي يَــعْــتَــرْ.
فاطمة بصور زجالة ماهرة جدا، أخذت عقل الكلام إلى جنون المعنى، ثم عادت وبين يديها حفنة من كلمات أدهشتنا بها، وجعلتنا نحبها أكثر.
لم يحدث أن قرأت لها دون أن أتعجب من قدرتها على تجسيد الجنون فوق خشبة الكتابة. العقل لا ينتمي هنا إلى جموح الشعر. من هنا لا يمكن أن تقرأ لفاطمة إلا وأنت مستعد لرحلة لا محطات فيها.. سفر مجنون في معاني الحياة، والحب، والقلب.
كَـنْ عْـلِـيَّــا،
مَـنْ “آلُــو” اٌللُّـوْلَـى نْـطَـلَّعْ “طُـونْـدُونْـسْ” لَـعْـفَــرْ،
كَـنْ عْـلِـيَّـا،
وْكَــنْ عْـلَـى قَـلْـبِـي،
قْـبَـلْـمَــا يَـتْـقُــولَــبْ،
يْـعَــلَّـمْ دَقّــاتُــو،
فُـوقَـاشْ تَـهْـتَـرْ،
كَـنْ عْـلِـيَّـا،
وْكَـنْ عْـلَـى لْـسَـانْ لُـغْــرَامْ،
مَـزَالْ يْـزِيدْ يَـتْـعَـلَّـمْ،
إِيـمْـتــى يْـعَـضّْ فَ اٌلصّْـبَـرْ،
وْكَــنْ عْــلَـى وَدْنِــيَّــا،
تْـرِيَّـبْ سْـقَـفْ اٌلـنِّـيَّـة،
وَتْــنَـخَّـلْ حْـــتِــيـتْ مْــزَوَّرْ،
بْ لَـعْـسَـلْ يَـقْـطُـرْ.
وأنت تقرأ عطور القلب هذه، إحذر أن تنسى أن من صاغتها بهذا التفرد، هي يد شاعرة لا تهزمها الحياة، بل يهزمها الحب. لا تهزمها الذكورة، بل الرجولة !
2 – مجنونة الحرف والركح والحياة:
“عْـلَـى مٓـنْـجَـجْ لِـيَّـامْ،
ݣَـلْـتْ زَعْـمَـا،
نْـسـاوِي خْـيُـوطْ نُـوحِـي،
عْـلَـى قَـدّْ سْـدَى قْـرُوحِـي،
لْـݣِيتْ ݣُـوزْةْ اٌلـرَّݣْـمَـة،
مَـنْ حْسـابـي فَـلْـتَـاتْ،
وْطَـلْـعَـاتْ اٌلـزُّوَّاقَـة خَـــنْـجَـرْ،
وَسْـط سٓـلْـهَـام
اٌلـصّْـبَـرّْ،
اٌللِّي بِـيـهْ كَـنْـتْ
نَـاوْيَـة نَـسْـتٓـرْ،
نٓـدْبَـات جْـرُوحٔ هَـدْ لَـعْـمَـرْ.
مجنونة الحرف والركح . هكذا تسمي نفسها ليس من أجل الادعاء، الشهرة، والبروز. إنما من أجل أن تختصر لنا الطريق إلى فهم أعماق كتاباتها، فندرك أننا في حضرة زجالة لا تشبه سوى نفسها وجنونها.
إن المسرح، في أشيائه الظاهرة والخفية، حاضر بقوة ونعومة وروعة في نصوص فاطمة بصور. إنها تمسرح الشعر بشكل يجعله يقف فوق ركح المتلقي كأنه يقوم بدور أمام المشاهد.
هنا براعة هذه الزجالة الخطيرة التي تكتب وتدهشنا. وحين نندهش نحن تتفاقم رغبتها هي في الكتابة، وفي الشعر، وفي التأثير العاطفي فينا.
“لَا بْــسَـانِـي جَـلاَّبْـتِــي،
جَـامْــعَــة شْـعُـورَاتِـي،
سَـارْحَــة شُــوفَــاتِـي،
يَــمْــكَـنْ بْــلاَ هْــوَايــا،
سَرْطَـاتْـنِـي دِكْـرَيَـاتِـي.
3 – لهجة محسودة من قبل الفصحى:
تبوح بلهجة حتى الفصحى تحسدها عليها. هي تكتب تلك اللهجة المثقلة ببشائر البلاغة، حد أنها تتركنا دوما عطاشى لكثير من ماء تعبيرها.
وتأملوا معي هذا التلاعب بالصور الشعرية التي يشي محتواها بفيض امرأة تجعل الكلمة تجثو أمام ذكائها لأجل بلاغة الصورة المشتهاة:
“كَـنْ عْـلِـيَّـا،
مَـا نَـݣْـمَـزْشْ،
مَـللِّـي “تْـسِـيـبْـلِـيـنِـي”
غَـمْـزَات اٌلـنّْـظَـرْ،
كَـنْ عْـلِـيَّـا،
نَـوْزنْ كْـلَامْ اٌلـرِّيحْ.
بنية القصيدة هنا تضيء داخل المفردة، وخارج الجملة، وفي قلب المجاز المحلق. فاطمة لها معجم يقف بين لهجة ثمينة وفصحى باذخة. وبينهما هي تخلق لغتها الشفيفة، وخطابها الشعري الجامح.
إليكم هذا النص الجانح الذي يمتطي تعبيره العادي ثم يخلق فيه طاقة لغوية متجددة. وكل ذلك عبر انتقاء الكلمة المثقلة برواء الاستعارة والجناس، دون عوائق من أي نوع كانت، بل سيولة وسلاسة.
لنقرأ هذا النص الرائع:
“يَـا لـَـمْـخَـبَّــلْ خْـيُـوطْ لَــمْـعَـزَّة،
لَـمْـتَـلَّـفْ لِـيــهَـا رَاسْ لْــكُـبَّـــة،
يْــلاَ جَــابْ اٌلَّـلــهْ ؤُدَخْــتِــي،
بْ سَــبَّــة وَلَّى بْــلَا ســبَّــــة،
عَـلَّـقْ حْـلاَمْـنَـا خَــيْـطْ اٌلــرُّوحْ،
عْـلَـى جْـبِـيـنْ دِيكْ لَــمْــحَـبَّــة،
وْخَـلِّ عْـقِـيـقْ لْــعَـشْــقْ يْـلاَ تْـسَـرَّبْ،
يْـبُـوحْ بْ سَـرّْنَـا حَـبَّـة حَـبَّــة.
4 – زجليات تدعوك إلى التفكير:
تمتح من معرفة غزيرة وهي تكتب. لذلك نقف نحن القراء أمام نصها نتساءل ونفكر ونتأمل. فاطمة ليس لديها قصيدة تقرأ وتنسى. قصائدها منجم للتفكير في الحب والحياة والواقع والبشر.
“دَݣِّـيـتَــكْ عْـلَى صَـدْرِي وَشْــمَــــة،
وَتْـكَـلَّــمْ فِـيَّـا لْـسَــانْ لْـحَـكْــمَـــة،
هَـانَـا لِـيـكْ يَـا عْـشِـيـرْ لْــغَـلْـطَــة،
تْـخَـيَّـلْـنِـي أَرْضْ،
تْـخَـيَّـلْـنِـي سْـمَـا،
تْـــخَـيَّــلْـنِـــي بَــلْـقِــيـــسْ،
وْهِـي لاَ بْـسَـاهَـا اٌلدَّهْـشَـــة،
كِـ تْـبَــهْــرَتْ بْ عَــرشْـهَـــا،
فْ دِيـكْ اٌللَّـحْـظَـة.
إننا نعيش معها حتى لحظة الكتابة. بل ونتألم من لحظة المخاض. لأنها تجعلنا، بذكاء، نشاركها كتابة النص بفعل تلك الفراغات التي تتركها هنا وهناك وعلينا أن نبادر إلى تسويد بياضاتها.
قْـبَـلْ مَ تَـدْرَكْ تَتْـحَـدِّي سُـلَـيْـمَـانْ،
وْتَـشْـرَبْ مُـحّْ الْـمَـغْـزَى،
وْهِـيَ دَاخْـلَــة اٌلـــصَّــرْحْ،
بْـلاَ هْـوَاهَـا عَـرَّاتْ عَــلْ اٌلـسَّـاقْ،
يَـحْسَـابْـهَـا غَـاطْـسَـة فْ “لُـجَّـة”.
5 – ركح القصيد وشعر المسرح:
فاطمة بصور ممثلة بارعة فوق ركح القصيدة. ثم هي شاعرة كبيرة فوق المسرح. لا هذا يهزمها ولا ذاك ينتصر عليها. هي لهما معا وزهرتهما معا.
دائما هي الرائعة شعرا.
دائما هي المنتصرة مسرحا.
في ذكرى هذه الصورة
“إِنْ حٓـمٓـلَـتْـنِي،
هٓـوٓامِـشُ اٌلطَّـرِِيق،
حٓـيْـثُ حُـقُـولُ اٌلـذِّكْـرٓى،
لاَ تَـقُـلْ سَـوْفَ أَنْـسٓـى،
إِنَّـمٓا سَـوْفَ أُحِـبُّـكَ أَكْـثَر،
كَـيْ تٓـعِـيشٓ طَـوِيـلاً،
شَـجَـرَةُ اٌلـطُّـهْـر”.
6 – هذا بعض من أريجك:
يا فاطمة الرائعة التي تشبه الجنائن:
هذا بعض من أريجك الفواح.
أنت تستحقي قوارير عطور لا رشة واحدة.
اقبلي مني المتاح.
فلا يعقل أن أمنح العطر لصانعة العطور. إذ تكفيني رشة كي ترضى عني عطورك يا سيدة الضوع الشعري من الآن وإلى غاية آخر الأبجدية.
أسماء المصلوحي.