سلايدشو

بورتريه: الدكتورة خديجة مضي.. كفاءة نسائية في القانون بجامعة ابن زهر

في سهل “أزاغار” المرابط في منبسط “سوس” الفسيح، حيث ما تزال حاضرة “تيزنيت” تروي – خلفاً عن سلفٍ – أمجاد الحسن الأول، رأت “خديجة مضي” تباشير الحياة. وهناك في حاضرة الفضة ومدينة السلطان، تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي حتى حصولها على شهادة البكالوريا مستهل تسعينات القرن الماضي.

في صُحُفِ وقَراطِيسِ المؤرخين العتيقة، قرأت تلميذة تيزنيت النجيبة أن عرش السلطان الذي اختط مدينتها، وشَيَّدَ أسوارها، كان على الدوام محمولا على صهوة جواده. حينها أيقنت أن شَدَّ الرِّحال في سبيل طلب العلم، كان لها منذ الأزل قدراً مسطوراً. وككل طالب علم، تأبى الملائكة إلا أن تضع له أجنحتها رِضاً بما يصنع، سمعت من جدها الأكبر “يوسف بن تاشفين”، نداءً خفيا يأمرها أن تقتفي أثر “المختار السوسي”، سليل سوسها العالمة، إذ شد الرِّحال قبلها إلى المدينة الحمراء، ليعتصم ردحاً من الزمن بجامع ابن يوسف”. بنفس راضية وبقلب سليم، لَبَّت “خديحة” النداء، فيَمَّمَتْ وجهها شَطْر عاصمة النخيل، التي ما تزال أرواح المرابطين ترفرف في سمائها وتَحُفُّهَا من كل جانب.

يزعم أهل التخاطر الروحي أن للأسلاف أرواحاً تتواصل فيما بينها، وتتنازع شرف خلعِ رِداءِ الحَدْبِ على الأخلافِ. لم يجرؤ أحد على التصدي لهذا الزعم بالنفي أو بالإثبات، لولا أن حالة “خديجة مضي” تنتصب أمامنا شاهدة لإثباته. فقد قُيِّضَ لها أن لا تَنْهَل من ينابيع علوم القانون غير سنة واحدة في حضرة “القاضي عياض”، قاضي قضاة المالكية المرابطين. ذلك لأن نداء آخر أتاها هذه المرة من أقصى الشمال الشرقي، يحمل إليها رسالة آمرة من جدها الأقدم “زيري بن عطية”، ملك دولة المغراويين تقول: “يممي وجهك شطر مدينة وجدة، عاصمة مُلكي، وحاضرة أسلافك الميامين”.

بعد سفر ممتد في الزمان والمكان، دخلت خديجة حاضرة الجهة الشرقية من بابها الغربي العَبِقِ بالتاريخ، لتلقي عصاها بجوار مغارة الحوريات، أو حواريي المسيح في رواية أخرى. هناك أدركت بجلاء أن الحاضر موصول على الدوام بالماضي، وأن المستقبل بهما معاً لا ريبَ موصول. على مدرجات جامعة محمد الأول، ثاني السلاطين في سلالة العلويين، انكبت الطالبة القادمة من بسائط سهل سوس على التفقه في علوم القانون. فأخذت عن فقهاء القانونين المدني والجنائي، وتتلمذت على يد أساطين القانونين التجاري والإداري، ونهلت من معين فطاحلة العلوم السياسية… إلى أن كللت مسارها الجامعي بإجازة مستحقة في القانون الخاص، وبدبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، ثم بشهادة الدكتوراه في قانون الأعمال.

بعد أن أنجبت سوس تلميذتها النجيبة، وصقلت مواهبها مدينتا مراكش ووجدة طالبةً باحثةً ألمعيةً، أيقنت أن ساعة تكليل المسار قد أزفت، حين انفتحت أبواب التفوق المهني أمام وجهها على مصراعيها. فقد استطاعت أن تجتاز بتفوق مباراة المحافظين على الأملاك العقارية، لتشغل منصب المحافظ على الأملاك العقارية بالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية بوجدة. بعدها بسنوات سِتٍّ متتابعات، أحست “خديجة مضني” بحنين جارف يجذبها إلى مسقط الروح، فكان أن انتقلت إلى سوس محافظة على الأملاك العقارية بمدينة إنزكان.

حين أتمت خديجة مضي مراكمة التجارب في مجالها، وأغنت معارفها القانونية بالدُّرْبة والمراس، أتاها ابن زهر العالم ليدعوها إلى محرابه الفسيح بمدينة أكادير، فكان أن التحقت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أستاذة مساعدة سنة 2011، فأستاذة مؤهلة بعد ذلك بأربع سنوات، ثم أستاذة للتعليم العالي سنة 2021. وخلال هذه المدة أسندت إليها مهام رئاسة شعبة القانون الخاص لثلاث سنوات، فمنسقة لماستر العقود والأعمال، ثم عضواً منتخباً بمجلس الجامعة.

بين الأمس واليوم، تمكنت فقيهة قانون الأعمال “خديجة مضي” أن تبصم على مسار دراسي وآخر مهني متميز، مما أهلها لتغدو منارةً لطلاب العلم والباحثين. لم تتخلف يوماً عن تقديم الاستشارة والتوجيه والتأطير لطلبة سلكي الماستر والدكتوراه، بل حرصت على أن يتخرج على يديها خيرة الكوادر القانونية في المغرب، منهم محامون وقضاة وأكاديميون وأطر قانونية بصمت إسمها في الفقه القانوني.

المقالات المشابهة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى