ثقافة وفنسلايدشو

مسرحية “أفار”..من عالم الغرائبي والعجائبي نحو دلالات واقعية

عبد الرحيم الصالحي/

  • يتعدى الشغف في المسرح حد الجنون عندما يكون عبارة عن لوحات تجسيدية تعبيرية، تبحث فيها عن التأويل والتأويلات اللازم إسقاطها حتى تترابط لديك خيوط النظم والحكي والسرد معا. هذا الشغف تجسد في مسرحية “أفار” لفرقة دراميديا، التي أبانت عن فكرة كنا دوما نهمس بها بين الفينة والأخرى، كون المسرح مختبر لأحاسيس الإنسان ومحك لقدراته النفسية والجسمية والعقلية حتى ينال حق وشرف عرض عمل مسرحي أمام الجمهور.

مسرحية “أفار” للمخرج بوكر أمولي حالة تعبير وأداء جسدي، النص الحواري فيها مزدوج ومتناغم بين الدندنة والغناء ونص حواري يكاد يكون جد مختصرا لكلمات دلالية تحيلك على فهم المغزى العام لمجريات أحداث المسرحية حتى لا يضيع المتفرج بين الدندنات والإيقاعات الموسيقية.

استطاع مختبر “دراميديا” ولادة عمل من رحم بحث عميق في الموروث الثقافي الشفهي المغربي، وبالأخص الأمازيغي منه، المرتبط بالأهازيج وأغاني المناسبات، لتتم مسرحته في حالة جسدية تنوب فيها اللازمات الغنائية والأهازيج الشعبية مكان النصوص السردية الطويلة – والمملة في أحايين كثيرة – ويتجسد شغف البحث من خلال مقاطع الأغاني المعتمدة كوسيلة وآلية تعبيرية منسجمة وإيقاعات موسيقة متناغمة، والبحث في استنطاقها ومسرحتها لعبا لحكي قصة من واقعنا المعاش والأليم.

حالة الصراع في مسرحية “أفار” ثلاثية تتخذ فيها “المرأة” الحضوة الكبيرة، في حين يكون لقبيلة “الفئران” طرف أقوى مقابل الفئة الثالثة من الصراع وهي “الرجل”، صراع ثلاثي حول من يفوز ب “المرأة”، “الرجال” أم “الفئران”. يكاد الصراع يكون غير منطقي – لكنه لا حدود للمسرح – فشعب الفئران حالة استعارة مجازية وبالتالي إسقاطها على الواقع ملمح ظاهري وموضوعها مقبول ومستدرك ولو بعد حين، وإلا فكيف يمكن للفئران أن تدخل في نزاع مع الرجال. لكن الماتع في صيرورة الأحداث فوز قبيلة “الفئران” على “الرجال” والجائزة كانت نساء القرية، لتجد “المرأة” نفسها في صراع ثنائي  مع بني “الفئران”.

هكذا وبالتالي، تفوز “المرأة” في صراعها ضد قبيلة “الفئران” باعتمادها الحيلة دون الخوض في صراع هي الأضعف فيه بدنيا، في تأكيد صريح وتعزيز منطقي للفكرة التي شاعت في المجتمعات العربية – والغربية -، كون المرأة أوسع حيلة من الرجل أومن أي شيء آخر. فقد اعتمدت في تحقيق النصر على جسمها وحالة الأنوثة التي جبلت عليها، بكل بساطة استعملت أسلحتها الفطرية دون إخلال بالحياء العام. كل ذلك مُجسد عبر سلسلة من الإيقاعات والإيمائات والحركات التعبيرية ثارة مصحوبة بآهات وصرخات ألم، وأخرى فرحة بالحب والنصر والحياة.

تتلاعب مسرحية “أفار” بالمتفرج وتأسره على غير عادته في تيه، تتلقفه الدندانت والإيقاعات الموسيقية ليبحث له عن موطن قدم في عالم “أفار” الغرائبي والعجائبي قصد تفكيك ألغازه المحيرة، ولعل من بين الألغاز التي حار المتفرج معها اللعب بتيمة الحب كطرف رابع، لكنه حب لم يتشبع كثيرا بعلاقته بالمرأة، ولم يتشرب منها لذه الحياة أو لنقل كاد منها، فالعلاقة التي جمعت إحدى نساء العرض في علاقة حب بأحد الرجال غير مقنعة إلى حد كبير، لكن الحب فيها يظل آسرا لمشاعر المجموعة رجالا ونساء.

جبرا لذلك، تطرح الخاتمة مرتبطة بزمن المستقبل أسئلة كثيرة من قبيل، “وماذا بعد ذلك؟”، ما ذا بعد تحرر النساء من قبيلة “الفئران”، كيف ستنظر النساء إلى تخاذل وتراجع وعدم أهلية رجال القبيلة للدفاع عن نسائهم؟، كيف ستنظر العاشقة والمحبة لمحبوبها الذي تخلى عنها في أحنك الظروف؟، هل ستتجاهل قبيلة الفئران ما حدث لهم جراء تحايل النساء وبالتالي الفوز عليهم؟، أسئلة عالقة لما ستؤول له الأحداث في زمن المستقبل، ولعل هذا الافتراض بماستؤول له المسرحية استباقا نحو المستقبل عائد إلى كون المسرحية لا نهاية لها، أو لنقل قد تكون مسلسلا مسرحيا تعقبه أحداث أخرى ربما ستكون في الفصل الثاني من فصول “أفار”.

عبد الرحيم الصالحي

المقالات المشابهة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى