ثقافة وفنسلايدشو

مهرجان “إسني ن ورغ” وقفة لنقد الذات وأمل في المستقبل

إعداد: عبد الرحيم الصالحي

الدورة 13 لمهرجان إسني ن ورغ

تعتبر محطة مهرجان إسني ن ورغ الدولي للفيلم الأمازيغي، بالرغم من محدودية الدعم، نقطة لتقييم المستوى العام للفيلم الأمازيغي، مساره، جديده، تحدياته واستشرافه للمستقبل، ودورة 2022 فتحت الأبواب لنقد الذات وتقييم حاصل إنتاجات ما بعد الجائحة، وواقع الحال يقول أن المهرجان تمكن من عرض 36 فيلم ما بين الروائي والوثائقي والرسوم المتحركة بنوعيهما القصير والطويل برحاب سينما صحراء التي تتواجد بحي تالبرجت العتيق، منها 17 فيلم خاض منافسة لنيل جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية صنف الفيلم وهو رقم قياسي لم يسجل في تاريخ المعهد إلى اليوم، تنوعت مشاربها من سوس والريف وتونس والقبائل وفرنسا وبلجيكا، و يعكس هذا الانفتاح إلى حد ما التنوع الجغرافي الشاسع للناطقين باللغة الأمازيغية عبر العالم، وبحسب اللجنة المنظمة للمهرجان فقد ” أثرت الجائحة كثيرا على الإنتاجات السينمائية الأمازيغية عبر العالم وإلا لكانت تمثيلية دولية كثيرة هذه السنة، وهو الأمر الذي سنعمل على تثبيته من جديد خلال الدورات القادمة”، هذا الزخم السينمائي يجسد طموح المهرجان نحو آفاق أوسع للرفع من مستوى الفيلم الأمازيغي.

نحو موضوعات جديدة

عكست الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي تنوعا موضوعاتيا كسر إلى حد ما النظرة الجامدة التي انطبعت على الفيلم الأمازيغي المرتبطة بالقرية والحمار وأمغار، نحو موضوعات جريئة عالجت مواضيع من رحم الواقع ك “المثلية”، “العنف الجنسي للقاصرات /الخادمات”، “شعر المرأة”، “العلاقات الأسرية”، “سياسية” وأفلام “سيكولوجية”، هي ثيمات ليست بجديدة عن السينما عموما لكن معالجتها سينمائيا باللغة الأمازيغية هو الجديد، وترجع هذه النقلة في نظري إلى الصورة التي رسمتها إنتاجات ما قبل 2020 التي ارتبطت دائما وأبدا ب “أمغار”، “الفقيه”، “القرية” و “الحمار”(…) بالإضافة إلى غزو منصات التواصل الاجتماعي خاصة “اليوتيوب” البيوت من باب واسع، وتراجع أفلام الفيديو التي ألف المنتجون الأمازيغ الاستثمار فيها، ومن أجل الانخراط في هذا السيل دأب مجموعة من الفنانين الأمازيغ إلى السير وراء “التوندونس” الذي لا يعكس واقع الحال دائما ومخاوفنا تكمن في أن يسقط في “الروتين اليومي” والتسابق على الإعجابات الافتراضية لتحقيق مشاهدات ليس إلا، ونسطر هنا للتأريخ بداية عصر الانفتاح على مواضيع جديدة في السينما الأمازيغية كان لمهرجان إسني  ن ورغ دور في تقديمها إلى الجمهور.

الفيلم الأمازيغي؛ السينما الأمازيغي.

إن المستوى العام للفيلم الأمازيغي يبقى متوسطا، ومتفاوتا فنيا وتقنيا بحسب توصيات لجنة التحكيم، وهو ما ذهب إليه “لحسن أو سي موح”  أحد أعضائها وأكد على أن هناك ” أفلام في المستوى تقنيا وفنيا وموضوعاتيا، لكنها تحتاج إلى الكثير من الاشتغال والاعتناء أكثر بالسيناريو، فليس عيبا وجود أكثر من سيناريست في الفيلم الواحد، بل العكس، كلما كثر كتاب السيناريو تعددت الرؤى وزوايا المعالجة”، وقد أصاب الكاتب “أو سي موح”  كثيرا في هذا الطرح، فالأفلام العالمية الأكثر نجاحا تشتغل ضمن خلية كتابة السيناريو تتكون من أكثر من عضو، تبقى قيمة مضافة للفيلم خاصة إذا ما تنوعت المشارب الثقافية والفنية والأسلوبية لأعضائها، وإمكانية الاشتغال ضمن خلايا متنوعة ستكون مقاربة متكاملة ستخدم لا محالة الفيلم الأمازيغي، وستعزز افتقارها للعمق الفني والموضوعاتي الذي نشتكي منه كمتتبعين، فالصورة تكتسي جمالية أولا وتجعل المتفرج يسبح بخياله ولا يكون متفرجا سهل المنال من خلال عمق الحوارات و الإكسسوارات والديكورات، فالسينما صورة بسؤال وأحسن الأسئلة التي تصدم المتفرج وتجعله يفكر بعمق، وقد تكون هذه النقطة كذلك، الفيصل في هيمنة الحوارات، الساذجة أحيانا في الكثير من الأفلام الأمازيغية، التي تصف كل شيء حتى المتداول يتم تحوليه إلى حوار، وأرى أن هذه دعوة ضمنية من المهرجان للاشتغال في خلايا لكتابة السيناريو تتكون من أكثر من كاتب، ولعل النتيجة ستكون في صالح الفيلم الأمازيغي حتى يرقي إلى سينما أمازيغية.

 المرأة المخرجة

حضرت المرأة في المهرجان بشغف كبير، وحضورها يوازي مكانتها داخل منظومة الفيلم الأمازيغي، مثلت نون النسوة كممثلة وتقنية ومتفرجة كذلك، لكن إدارة المهرجان سجلت بمداد من فخر كبير حضورها ضمن فعاليات المهرجان كمخرجة أيضا، من خلال مشاركة المخرجة “لطيفة أحرار” بالفيلم الروائي الطويل “إمكوسا” والمخرجة الشابة “فاطمة ماتوس” التي شاركت بدورها كمخرجة للفيلم الوثائقي القصير “عائلة في منفى” الذي حاز على جائزة أحسن فيلم وثائقي. ويعتبر انخراط المرأة كمخرجة حالة نادرة الحدوث في الإنتاجات الأمازيغية، فالصورة النمطية التي رسخها الفيلم الأمازيغي هيمنة الرجل المخرج على الساحة الفنية، ويبقى حضورها لصيقا دائما كممثلة أو تقنية، لكنها اليوم كسرت هذا الجدار وبصمت بنظرة أنثوية تعكس حالتها النفسية العاطفية في تصورها للأحداث ووقائع الفيلم، ولعلنا نطرح سؤال ما ذا لو أعطيت المرأة الفرصة لتُبدع كمخرجة؟

مطالب المهنيين في دعم الفيلم الأمازيغي

اشتكى الكثير من الفنانين والمخرجين والممثلين ومنهم المكرمين بحرقة غياب الدعم الكافي للفيلم الأمازيغي خصوصا من طرف الوزارة الوصية والجهات المسؤولة بالمغرب عامة وبسوس على وجه خاص، وربط كثير منهم واقع الفيلم الأمازيغي بضعف الإمكانات المالية الممنوحة فبات يصنف ضمن خانة الأفلام المناضلة، لنطرح بدورنا سؤال الجدوى من الفيلم الأمازيغي في غياب الدعم العمومي؟ ولماذا لم ترتقي إلى صناعة سينمائية أمازيغية مكتفية بذاتها؟

إن قلة الإنتاجات الأمازيغية في السنوات الأخيرة ترتب عنها غلق للعديد من شركات الإنتاج التي كانت تنشط في مجال « DVD » وكنتيجة لذلك تشرد الكثير من الممثلين والتقنيين، فكان المهرجان بوابة لهم لإعلاء أصواتهم المطالبة بتخصيص حيز زمني أكبر للإنتاجات الأمازيغية في كل القنوات المغربية، وفتح الباب أمام كل الفنانين والتقنيين الأمازيغ للاشتغال بدورهم في الأعمال التي تبث فيها، هذه الدعوة وهذا النداء المباشر تكرر في مارة خلال مناقشة كل فيلم، وفي أروقة المهرجان الثقافية، خصوصا الندوات الفكرية التي لم تسلم بدورها من هذا الطرح الذي بات كابوس يهدد هذا القطاع. وقد ساهم المهرجان بشكل كبير في فتح قناة تواصلية بين المهنيين والمسؤولين للتعبير عن امتعاضهم واستيائهم لواقع حال الفيلم الأمازيغي والمهنيين بالقطاع.

يبقى مهرجان إسني ن ورغ حلقة جذب وقطب رحى بين مهنيي القطاع والجهات الوصية، غايته في ذلك حسب البلاغات التي نشرها الرقي بالسينما والفيلم الأمازيغي، وبالتالي عيش كريم لكل مهنيين السينما. وكخلاصة لواقع السينما الأمازيغية عبر سيرورة 13 سنة من تاريخ المهرجان، نسجل أن المهرجان ساهم بشكل كبير في ترسيخ ثقافية السينما الأمازيغية بما لها وما عليها، كما انخرط كفاعل في التعريف بها في مصاف المهرجانات الوطنية والدولية عبر ربوع العالم، هي طفرة تحسب له وجعلت الفيلم الأمازيغي يحتكم إلى نفسه ليقارن واقعه بسينما العالم، صحيح يبقى المشوار طويلا، والدرب لا زال ضبابي، لكننا نسجل حركية بطيئة تتقدم متسللة من الخلف يحملها الشباب التواق إلى التحرر من القيود اللصيقة بالفيلم الأمازيغي، وأملنا كبير في أن يحمل الخلف مشعل الأجداد بنفس جريء وجديد يتماشى والخصوصيات الثقافية للهوية الأمازيغية والحرص كل الحرص على التجدد والانفتاح غير المخل لتقديم صورة ترقى وتستجيب لملامح السينما الأمازيغية في كونيتها.

إعداد: عبد الرحيم الصالحي

المقالات المشابهة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى