متابعة: عبد الرحيم الصالحي

أثارني مقال نشرته جردية “هيسبريس” الإلكترونية يومه الخميس 26 مارس تحت عنوان “الواسيني: نجاح عملية التلقيح ضد كورونا يضع المغرب في الاتجاه الصحيح”، وهو مقال منقول عن الإعلامي المغربي “زهير الواسيني” المقيم بإيطاليا، حيث عبر عن رأيه الصريح في تدبير الحكومة المغربية أزمة جائحة “كورونا”، حيث استهله بوهجه وفرحه وتمتعه وانشراحه من تدخل البرلمانية الإيطالية منتقدة حكومة بلادها وطريقة تنظيمها لعملية التلقيح وتدبير الجائحة مستشهدا بمقولتها “حتى المغرب أفضل منا”.

اعتبر “الواسيني” في مقاله، الحظوة التي بات المغرب يشغلها في مصاف الدول المتقدمة نتيجة للجهود الجبارة التي بدلتها الحكومة المغربية للتغلب على جائحة “كورونا” ‘ما جعل عددا من الصحف الإيطالية والدولية تشيد بالأسلوب الناجح الذي اعتمده المغرب ككل وخلال فترة التلقيح بشكل خاص. هذا النجاح لا يمكننا سوى تثمينه وتهنئة من ساهم في إنجازه’.

أسقط الإعلامي المغربي من خلال مقاله نجاح تعامل الدولة المغربية مع “كورونا” بقطاعات أخرى حيوية ومصيرية، وربطه ب “الرغبة والإرادة. المفروض أن تكون لدى أصحاب القرار من أجل إنجاز عمل ما، فإنهم يختارون الأشخاص المناسبين والإمكانيات الكافية. لذلك، وباستعمال المقياس نفسه في مواجهة المشاكل الكثيرة العالقة”.

وكما حال فعل “التلقيح” ضد الجائحة، فمن المؤكد وجود تلقيح ضد الجهل والفقر والعِطالة والبطالة والصحة..، والمطلوب وجود إرادة حقيقية، ناجعة وعير مُسيسة ومنحازة، ولا حق بعدها لمن يظن أن المغرب غير قادر على تدبير بؤره السوداء في المجالات والقطاعات الحيوية والمصيرية التي ترفع من قيمة الفرد داخل المجتمع، فقد أثبتنا جدارتنا وحنكتنا واستحقاقنا في فعل “التدبير”، ليبقى السؤال المطروح، لماذا لا يتم التعامل بإرداة ورغبة و جدية واستقلالية موضوعية بغيت تدبير باقي المجالات من أجل الرقي بمغرب اليوم والغد، مغرب الأجيال والمستقبل، بنفس الطريقة والمنهجية التي دبرنا بها الجائحة أو أحسن؟.

وفي ما يلي نص مقال الإعلامي “زهير الواسيني” كما نقلته الجريدة:

” كم استمتعت بتدخل البرلمانية الإيطالية سيلفيا ساردوني وهي تنتقد حكومة بلادها وطريقة مواجهتها لعملية التلقيح. البرلمانية المنتمية لحزب رابطة الشمال، اليميني المتطرف، وفي خضم حديثها عن الدول التي نجحت في مواجهة الجائحة، ختمت كلامها بنبرة ازدراء: “حتى المغرب أفضل منا!”. المسكينة لم تكن تتصور أن دولة “متخلفة” كما تتخيلها هي يمكن أن تنجز ما تم إنجازه خلال سنة كورونا.

جميع الصحف الإيطالية، والدولية كذلك، أشادت بالأسلوب الناجح الذي اعتمده المغرب في مواجهة الجائحة ككل وخلال عملية التلقيح بشكل خاص. هذا النجاح لا يمكننا سوى تثمينه وتهنئة كل من ساهم في إنجازه.

هذا الإنجاز يجرنا، مع ذلك، إلى طرح أسئلة ملحة حول مدى نجاعة الدولة في مواجهة مشاكل لا تقل أهمية عن الجائحة التي ضربت العالم وأبانت بالملموس محدودية العديد من الدول وعجزها أمام الحالات الطارئة.

المغرب أبان على قدراته في هذه الحالة، فمن الطبيعي إذن التساؤل عن الأسباب التي تعرقل تقدم هذا البلد الذي استطاع أن يبهر العالم خلال هذا الوباء.

واضح أننا أمام قضية رغبة وإرادة. حينما يريد أصحاب القرار إنجاز عمل ما وبشكل دقيق، فإنهم يختارون الأشخاص المناسبين والإمكانيات الكافية. لذلك، وباستعمال المقياس نفسه في مواجهة المشاكل الكثيرة العالقة، ربما ستكون هناك طفرة كبيرة لكي يلتحق المغرب بركب الدول المتقدمة.

بعض سيئي النية سيقولون بأن العدوى لا تفرق بين غني وفقير، لذلك التلقيح كان ناجحا لأن الرغبة والإرادة انصبتا في اتجاه حماية النخبة التي تستفيد من خيرات هذا البلد. أي إن غالبية الساكنة تم تلقيحهم لإيقاف العدوى التي قد تصيب مغاربة الدرجة الأولى كذلك. فالمغرب، وللأسف، مازال يعاني من طبقية مريضة وفوارق اجتماعية كبيرة تجعل كل الفرضيات ممكنة، حتى تلك الأكثر عبثا.

النجاح الباهر الذي رافق عملية التلقيح يدفعنا بالتالي كي نلح على قدرات المغرب على السير في الاتجاه الصحيح؛ لم يعد بالإمكان من الآن فصاعدا تبرير أي تراجع.

فحينما يتم اغتيال التعليم العمومي مثلا، كما حصل خلال السنوات الأخيرة، فلأن هناك رغبة في ذلك أو انعدام أي إرادة لـ”تلقيح” الشعب المغربي ضد آفة الجهل، وحرمانه بالتالي من سلم اجتماعي ناجع يسمح للطبقات المقهورة بتغيير أوضاعها.

الكلام نفسه يمكن قوله عن قطاع الصحة الذي تم تركه في أيدي الخواص الذين يتعاملون مع حياة المواطنين بمنطق مقاولاتي محض، مع ما يعني ذلك من إهمال لضعفاء هذا الشعب، وهم كثر.

كل ما حصل خلال هذه الجائحة يمكن أن يكون بداية مرحلة جديدة تتغير فيها المفاهيم لكي ننطلق حول آفاق جديدة تترجم الوضع الحقيقي الذي يجب أن تكون عليه بلادنا؛ انتهى زمن التبريرات.

الإرادة التي حققت إنجاز التلقيح يجب أن تمتد لتشمل كل القطاعات في بلادنا: أن تضع حدا لغباء من يسيء للمغاربة بضربهم والتنكيل بهم حينما يتظاهرون في الشوارع، أن تلغي عقوبة السجن في حق أشخاص طالبوا بحياة أفضل، أن تنهي المسرحيات المحبوكة لاعتقال كل من رفع صوته ضد “النظام”.

فالمغرب الذي واجه كورونا أقوى بكثير من أن تزعجه الآراء والكلمات، أقوى من تصرفات بعض رجال السلطة الذين يحنون لزمن بائد أكل عليه الدهر وشرب، أقوى من أن تهزه انتقادات عادية نسمعها بشكل يومي ضد الحكومات في الدول الديمقراطية.

مغرب ما بعد التلقيح يجب أن ينهي الحديث عن الانتقال الديمقراطي في اتجاه بناء ديمقراطية حقيقية تضمن استقلالية السلط لتكون معبرا نحو بناء دولة متقدمة تقارن نفسها بمحيطها الأوروبي، وليس الاستمرار في اللازمة إياها بأننا أفضل من كثير من الدول المتخلفة الأخرى.

الإرادة تأكدت اليوم واتضح أن بلادنا تحتاج إلى مجهودات الجميع، وخاصة أصحاب القرار، لتغيير مستقبلنا نحو الأفضل وإفهام البرلمانية الإيطالية وأمثالها أن ما هو غير عادي اليوم هو استمرار المغرب ضمن لائحة الدول المتخلف”.