كلّ شيءِ كانَ مطموساً ومغلّفاً تحت وطأة ثقافة ”حشومة” وما تفرضهُ تقاليد منطقةٍ جبليّة تُبيح لغة “الصّمت” عوضَ الإنصاتِ لأسرارٍ قد تخدشُ شرفَ العائلة وحياءَ مجتمعٍ “غارقٍ” في التّقليد، هي قصّة طفلاتٍ قاصرات قرّرن كسر “حاجز” الصّمت الذي طالَ لسنواتٍ، ويفضحْن “فقيهاً” اعتدى عليهنّ جنسياً داخل كتاب قرآني ضواحي مدينة طنجة.
حامل كتاب الله
ظلّ لسنواتٍ يجولُ في قرى الشّمال من طنجة إلى الحسيمة، باحثاً عن أرضٍ يستقرُّ بها ويكوّن فيها أسرته، فهو “فقيهٌ حامل كتاب اللّه” وأيُّ “مدشرٍ” يقصدهُ سيفتحُ له أبوابَ الاستقرارٍ؛ وبعد جولاتٍ حطّ رحالهُ بقرية الزميج بمنطقة ملوسة ضواحي طنجة؛ هناك اكتسبَ ثقة النّاس وقرّر استقبال أبناء القرية لتعليمهم أسس الشّريعة وحفظ القرآن.
نقطة التّحول في مسار “الفقيه” الذي يبلغُ حالياً 43 سنة كانت عام 2011، لمّا اعتدى لأوّل مرة على طفلة قاصرٍ داخل الكّتاب القرآني..”كان يستدرجني إلى المرحاض ويقوم بأفعالٍ دنيئة لا أستطيع توصيفها، وكان يكرّر أفعاله في الصّباح المواليّ وفي المساء”، تقول إحدى ضحايا الاعتداء الجنسيّ الذي كان بطلهُ الموظّف الدّيني، وهو أبٌ لطفلين.
وفي وقتٍ تُبعد مصادر مقرّبة من “الفقيه” الموقوف تهمة الاعتداء الجنسي، وتؤكّد أن الأمر يتعلّق بتصفية حسابات، تؤكّد محامية الضّحايا جميلة المولادي أنّ “الفقيه المشتبه فيه، الذي يخضع للتحقيق (43 سنة متزوج)، والذي يلقن الأطفال القرآن، ويوصيهم بمكارم الأخلاق…اعترف باغتصاب 08 إناث و04 ذكور، والعدد مرشح للارتفاع، وذلك على مدى ثماني سنوات، مع افتضاض البكارة لثلاث”.
وتفجّرت القضية لمّا قرّرت أربعُ طفلات قاصرات التّوجه بمعية أفراد عائلتهنّ إلى مركز الدّرك الملكي التّابع لمنطقة ملوسة، للتّبليغ عن تعرّضهنّ للاعتداء والتّحرش الجنسي من طرف “إمام” يشتغل بنفس المدشر القرويّ.
اغتصاب وتهديد بالقتل
وفي سردِ معاناتهنّ التي دامت أكثر من 8 سنواتٍ، تحكي إحدى الضّحايا: “كان ينهال عليّ بالضّرب في حال ما رفضته الخضوع لنزواتهِ”، وتتابع سرد واقعها الأليم: “كان عمري آنذاك 7 سنوات، ولم أكن أعرفُ خطورة الأفعال التي كان يقوم بها؛ فقد كنت أذهب إلى المرحاض ويتحسّس خطواتي ويمسكني من فمي ويمارس علي الجنس بالعنف”.
وقالت طفلة أخرى: “كان يضربني بإناء الماء ويعاقبني في حال ما رفضت الخضوع لنزواته الجنسية.. إنّه وحشٌ لا أريد رؤيته من جديد (…) أريد تطبيق الإعدام في حقّه”، مشيرة إلى أنّ المعتدي كان يهدّدها بـ”الذّبح والعقاب الشّديد”.
ورغم اعتراف الجاني أمام الضّابطة القضائية، تشكّك أطراف قريبة من عائلة “الفقيه” في تفاصيل القصّة بالقول: “لم نسمع أبداً أن طفلاً واحداً اشتكى من تعرّضه للاغتصابِ طوالَ هذه السّنين”.
وكان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بطنجة أعلن أنه إثر تقديم شكايتين بشأن تعرض ست قاصرات لهتك العرض، واستنادا إلى الأبحاث والتحريات المنجزة من طرف المركز القضائي للدرك الملكي بطنجة، تم تقديم المشتبه فيه أمام هذه النيابة العامة بتاريخ 19 شتنبر 2020.
وأضاف الوكيل العام للملك بطنجة، في بلاغ، أنه تقرر تقديم مطالب بإجراء تحقيق للاشتباه في ارتكاب المشتبه فيه، وهو موظف ديني، جناية هتك عرض قاصرات دون سن 18 سنة بالعنف، وهتك عرض قاصرات دون سن 18 سنة نتج عنه افتضاض، طبقا للفصول 485 فقرة 2 و487 و488 من القانون الجنائي.
اعتراف
واعترفَ الفقيه المتهم (ع.ع)، أثناء البحث الأولي معه من طرف عناصر الضابطة القضائية، بأنه فعلا ارتكب جريمة هتك عرض قاصرات يشرف على تدريسهن بالكتاب القرآني المتواجد بقرية الزميج، حيث كان يستغلهن أثناء حضورهن إلى الكتاب، وكان يمارس عليهن أفعالا مخلة بالحياء وفاحشة في حقهن.
وكانت عناصر الدرك الملكي بالقيادة الجهوية بطنجة أوقفت “فقيه” مسجد بقربة الزميج بمنطقة ملوسة ضواحي طنجة، للاشتباه في تورطه في قضية هتك عرض عدد من الفتيات القاصرات اللواتي يدرسن لديه بأحد الكتاتيب القرآنية لتحفيظ القرآن الكريم بنفس المنطقة، بعدما تقدمت 4 أسر من القرية بشكاية للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بطنجة، اتهمت من خلالها الفقيه المذكور باستغلال 4 فتيات من بناتها جنسيا، وهتك عرضهن، ما نتج عنه افتضاض البكارة، ليتم توقيفه بناء على أوامر النيابة العامة ووضعه تحت تدابير الحراسة النظرية.
المصدر: هسبريس