عبدالله الغمائد: أستاذ وطالب باحث بسلك الدكتوراه، تخصص قانون عام جامعة إبن زهر أكادير
تعد الديمقراطية رهان حقيقي لكل الشعوب على مر التاريخ، ووفق هذه البداهة فهي تمرينات سوسيوثقافية وتاريخية، ومحاولات مطردة لبناء نموذج للسلطة الذي تلتقي عنده كل الإرادات والنوازع والتطلعات والرهانات، لقد بدأت المؤشرات الأولى للدمقرطة تتضح داخل حضارة الإغريق، لكنها كما سبقت الإشارة هي ديمقراطية معطوبة، أو بالأحرى مشوهة وقاصرة مادمت تقصي العبيد والنساء من الإنخراط في العملية السياسية وفي صنع القرار وصياغة القوانين.
أفرز لنا هذا النمط اليوناني ديمقراطية تمثيلة مباشرة وغير مباشرة، وفق تحديد كلاسيكي يتمثل في مقولة ” حكم الشعب نفسه بنفسه”، وهي بالمناسبة مقولة فضفاضة غارقة في التعقيد والعمومية، إذ كيف يمكن للكل أن يحكم الكل، أو للمجموع أن يضبط المجموع. حاول فلاسفة العقد الإجتماعي – نخص بالذكر: مونتسكيو، هوبس، جون لوك- أن يقوموا بفك بعضا من هذه المعادلة المركبة، فقال الكثير منهم بمفهوم ” الإرادة العامة” التي حسب جون جاك روسو لا تقبل التجزيئ ولا التصرف ولا التفويض، إنها ذاك الجماع/ الكل الذي تلتقي فيه كل الإرادات الخاصة للأفراد، وهو ما سماه هيجل بعده “بالروح”. إن الديمقراطية التمثيلية تربط عملية الدمقرطة بالمؤسسات والبنيات الرسمية الدولتية étatique أكثر من البنيات الإجتماعية غير الرسمية، كما تربط شرطيا بين العملية الديمقراطية وآلية الإنتخاب/ الٌإقتراع بأنماطه المتعددة.
إن الديمقراطية التمثيلية أو النيابية في نظرنا هي ديمقراطية مجحفة في حق فئات إجتماعية متعددة، لأنا تظل سجينة آليات كلاسيكية لا تأخد بعين الإعتبارا الإختلافات السوسيولوجية والثقافية المشكلة لبنية الجماعة، كما لا تكترث لحقوق وخصوصيات الأقليات المعارضة لفلسفة السلطة، فالقول بكون الأغلبية تحكم الأقلية هو إستبداد بمنطق جديد، وطغيان بمساحيق ديمقراطية مكشوفة، وإقصاء مفكر فيه لفئات إجتماعية تحمل مشاريعا أخرى قد تغني العملية السياسة إذا ما التفت لها من طرف مهندسي القرار، لقد أبانت الممارسة أن التمثيل لم يعد يتلائم مع منطق التحولات الحاصلة في المجتمعات، والمتجسد في صعود أصوات جديدة ومطالب متفردة، ورهانات مختلفة جذريا عن رهانات المجمتع الكلاسيكي، ليتم التفكير في تمرين ديمقراطي جديد، يتأسس على لوغاريتم التشاور والتشارك، وهو ما ينعت في الأدبيات السياسية المعاصرة ب ” الديمقراطية التشاورية”.