لعل الأقرب اليوم في السياسة
الديبلوماسية المغربية ، ماذهب اليه
ريتشار هاس، الدبلوماسي الأميركي والمنظر للسياسات الدولية خليفة هنري كيسنجر المنتمي إلى التيار المحافظ التقليدي الأمريكي، في أحد مقالاته بعنوان :”لحظة بالمرستونيا The Palmerstonian Moment ” أن العلاقات الدولية حاليا ، تكشف عن أن الدول ليست في خصومة واضحة أو تحالفات تلقائية، إنه أمر يصعب التنبؤ في شأنه ، فالدول يمكن أن تكون شريكة نشطة في قضية ما ، وغير نشطة في قضية أخرى ، وعليه يجب السعي الى تبني المشورات الهادفة، وبناء ائتلافات مع الدول الأخرى لتحقيق أكبر قدر من المصالح .
الأمر الذي يوقفنا وحسب نظرة ريتشارد هاس ، على أن المحرك الأساسي للسياسة الخارجية للمغرب هو تحقيق المصلحة الوطنية ، في إطار تحالفات جديدة مع الحفاظ على مماثلتها القديمة ، بما يراعي وتحترم سيادة المملكة على جميع أراضيها ، وعلى رأسها الأقاليم الصحراوية التي أضحت اليوم حواضرها ، كالداخلة والعيون في مرتبة المدن العالمية الكبرى . حواضر الصحراء المغربية التي أصبحت تعرف فتح ثمتيليات ديبلوماسية لعدة دول وصلت إلى 29 قنصلية ، بعد فتح جمهورية التشاد لقنصليتها بالداخلة ، فضلا على أن الصحراء المغربية اليوم ،أضحت في صلب الاهتمامات الاقتصادية الدولية الكبرى ،فمشوع ميناء الداخلة الأطلسي الدولي الذي يعتبر قطب رحى المبادرة الأطلسية ، المبادرة التي ستمكن دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) من الدخول مباشرة إلى المحيط الأطلسي لتسويق منتجاتها، وتحقيق تنمية شاملة لمواطنيها، وهو ما يتماشى مع سياسة مغربية تبحث عن تمكين هذه الدول من التحكم في ثرواتها ومستقبلها الإقتصادي الأمر الذي أزعج كثيرا بعض حلفاء المغرب التقليديين وعلى رأسهم فرنسا ،التي لم تجد بدا من ضرورة الإعتراف الصريح بسيادة المغرب على صحرائه ، وهي التي دعمت قبل قرارها الأخير مبادرة الحكم الذاتي ، التي تقدم بها المغرب لمجلس الأمن مند سنة 2007 .
إن السياسة الديبلوماسية للمغرب ، وما حققته من إنتصارات لصالح عدالة قضية المملكة الأولى ، وما تحقق من توالي الإعترافات بسيادة المغرب على صحرائه ومنها الاعتراف الفرنسي .أقول دبلوماسية وجدت نفسها في صلب التقارير الصادرة عن منظمات ، ومؤسسات لها وزنها الدولي ، لم تكن لترجح الموقف الثابت للمغرب بخصوص سيادته على صحرائه وإرتفاع الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي لولم تعاين وتواكب صلابة الموقف الديبلوماسي المغربي وثباته وحسمه في جعل قضية الصحراء المغربية المؤشر والموجه الوحيد لكل تعامل دولي كيفما كان ، وهنا سأرجع معكم إلى تقرير “المعهد الإفريقي للدراسات الأمنية ومقره بريتوريا، الذي كشف عن تصريحات مسؤولين جنوب إفريقيين فقدانهم الأمل في نجاح أطروحة بوليساريو وحشد الدعم لها .
من الأكيد أن الاعتراف الفرنسي والإسباني والأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه ودعم مخطط الحكم الذاتي ، كان ضربة قوية لطموح عصابة بوليساريو الإرهابية .
فلسنا بعيدين كذلك عن تقرير “معهد الولايات المتحدة للسلام” والذي أكد بأن الإعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه ، كان بمتابة الخطوة الحاسمة نحو إنهاء النزاع في الصحراء المغربية ، أضف إلى ذلك تزايد و تنامي القبول الدولي لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب في أقاليمه الجنوبية .
لقد إتضح للعالم دون شك أن الجزائر لعبت دورا مباشرا في خلق ودعم جبهة إنفصالية مباشرة بعد إسترجاع المغرب لصحرائه سنة 1975 ،بل سعت جاهدة نحو إطالة أمد النزاعة بكل الطرق الممكنة ، رغم أنه بالنسبة لنا جميعا فهو منتهي عمليا وواقعيا.
فالجزائر صنعت اكدوبة إسمها بوليساريو وقامت بتوفير الدعم لها،
وفي السياسة يقال “أكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس”.
مقولة أضحت مستهلكة كثيرا هذه الأيام من قبل إعلام العسكر الجزائري الداعم لصنيعته بوليساريو، هذه الكدبة التي ربما صدقها البعض في زمن “الترانيستور ” (المدياع ) إلا أنها لم تعد تصلح لعالم القرن الحادي والعشرين، حيث سيطر الإنترنت والقنوات الفضائية على العالم ، و سمحت بسرعة تنقل المعلومة في أقل من تانية من خلال وسائل التواصل الإجتماعي من واتساب وفيسبوك وتويتر وانستغرام وغيرها .
أكدوبة الجزائر التي إستمرت لسنوات، اعتبرها محللوا السياسة الخارجية الجزائرية ، نوع من الغباء السياسي لنظام فاشل ، وإعلام عسكر أضحى يفضل كعادته الهروب من الحقيقة و تبرير أخطائه وعثراته على أنها إنتصارات .
فبوليساريو لم يعد لها وجود ولا تأثير إقليمي و دولي إلا في مخيلة نظام الجزائر .
نظام يسعى جاهدا إلى الإستمرار في كذبته (بوليساريو ) ،لأنه وللأسف عكس المقولة السابقة ،فصدق .
الأمر الذي يستدعي تكتيف جهود الديبلوماسية المغربية ، و تأهيل نخبها ، بما يكفل التصدي لمناوشات الأعداء ولعل قمة تكاد ، القمة اليابانية الإفريقية الأخيرة ، كشفت بالملموس خبت نظام الجزائر الذي يخرج كل يوم بحيل وأكاديب جديدة .
الدبلوماسية المغربية اليوم مطابة برفع مستوى التأهب الميداني في العمل الديبلوماسي ، بما يكفل تحقيق إنتصارات جديدة دون التفريط في المكتسبات ، تأهب يفرض عليها ان ترفع التحدي، خاصة على مستوى الهيئات والمنظمات والمنتديات والمؤتمرات الإقليميةو الدولية التي تحضرها الجزائر ، وطبعا تحايل من خلالها إكتشاف حيل جديدة لتسلل بوليساريو في أروقة وقاعات الإجتماعات .
الديبلوماسية المغربية اليوم مطالبة، وأمام توالي الإعترافات الدولية بسيادة المملكة على صحرائها ، بالعمل عل طرد بوليساريو من الإتحاد الافريقي ، والذي أضحى ضرورة قائمة وملحة ، كما أن عليها إقناع الدول الأعضاء في الإتحاد أن تحسم في المسألة بشكل مستعجل .
ختاما إن قضية الصحراء المغربية هي قضية وطنية مصيرية ، جسدها الملك محمد السادس نصره الله في مقولته التاريخية : “سيظل المغرب في صحرائه وستظل الصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.
ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.