الناقد المغربي عادل آيت أزكاغ ينعي صديقه العزيز، الكاتب المبدع والناقد الفنان والمفكر المصري البارز “الدكتور شاكر عبد الحميد”- (من مواليد 20 يونيو 1952)، الذي وافته المنيّة في مساء يوم الخميس (18مارس 2021) عن سن ناهزت 69 عاماً؛ وقد ترك نبأ رحيله صدمة حزنٍ كبيرة، وإحساساً بالفقد الجلل، والأسى العميق، جرّاء وقع أثره البالغ في نفوس العديد من معارفه وأصدقائه المحبين وغيرهم من جمهور المثقفين، بالنظر إلى سيرته الحسنة الحافلة بالإنجازات العلمية والنقدية وسمعته الطيبة التي كان يحظى بها الفقيد في حياته وما يزال، بالإضافة إلى الصيت الحسن الذي تتمتع به مؤلفاته وترجماته الكثيرة في كافة ربوع الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج.
وقد نعاه الكاتب والناقد المغربي عادل آيت أزكاغ عبر تدوينة فيسبوكية، بثّ بين ثناياها عواطف صادقة حزينة ونبيلة، مليئة بمشاعر الإخلاص والود والإجلال والتقدير والاحترام لروح الرجل الراحل وشخصه الكريم.
فما أحوجنا في زماننا هذا إلى الوفاء لروابط الصّداقة والمودة المتبادلة، وكذلك إلى التكريم الأدبي لرموز الفكر والمعرفة والوعي والثقافة والإبداع، ممن كرّسوا جهدهم ووقتهم لصحبة الكتاب، وأفنوا زهرة عمرهم تدريساً وبحثاً وكتابة وتأليفاً، حتى ملأوا فراغات المكتبات فأغنوها، ثمّ أغدقوا بمؤلّفاتهم على الحياة الإنسانية بالعطاء الفلسفي والفكري الثقافي المضيء، في مختلف العلوم والفنون، على نحو فائق كما يليق بتسمية هذه الحياة ويليق أيضاً بمعانيها ودلالاتها وأبعادها المتنوّعة.
وفيما يلي نصّ تدوينة الكاتب المغربي عادل آيت أزكاغ:
«كنا ندعو له بالشفاء الكامل، في ألم وأمل، في السر وفي العلن، منذ أن سمعنا – خارج أطوار العادة- بمرضه المفاجئ، من بعض أصدقائنا المشتركين، هو الذي ليس من عادته أن يُزعج هنا أصدقاءه بأشياء كانت تزعجه، كأن يقول مثلا أنه حزين أو متعب حتى ولو كان بالفعل كذلك. ما يحمل بالتأكيد إشارة دالة على أنّ الرجل الصّادق والصّالح والمألوف المحبوب د. شاكر عبد الحميد، من ذلك النوع الصبور والكتوم لما يضرّه من أمور، يبدو أنه لا يعبّر عنها هكذا مجانا بسهولة ووببساطة لأيّ كان. لكن رغم دعائنا له بالشفاء التام، إلاّ أن إرادة الله في حالته كانت أقوى وحكمته لعبت دورها.
لقد كنا ونحن ندعو نكره في وعينا ولا وعينا مرض الدكتور شاكر عبد الحميد، لقد كنا، سواء أكنا أيضًا على وعي بذلك أم لا، نخشى موته ونكرهه، لقد كنا نتهرب من احتمال التصديق بإمكانية موته، كما كنا نتهرب ولا نحب فكرة احتمال سماعنا بخبر موته ولو كان حقيقة يقينية واقعة. لكن الله سبحانه الذي سلّمنا له جميع أمورنا ووسعت رحمته كل شيء، لا حيلة مع قضائه وقدره، وأجل كتبه وحلّ وقته، وهو اللطيف الخبير الأدرى بما فيه الخير، والقائل: “عسى أن تكرهوا شيئا وهو خَيْرٌ لَكُمْ”؛ والقائل كذلك: “فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيراً”.
أما الآن فقد صار الفيسبوك باهتاً وشاحباً بغيابه، بعد أن كانت إطلالته عليه تمدّه بعناصر الحياة، وتملأ فضاءه بريقاً ولمعاناً. سماء الثقافة العربية واجمة هي الأخرى بغيابك يا دكتور شاكر العزيز، وسينتظر العرب طويلاً وطويلاً حتى يأتي نظير بوزن قيمتك وقامتك ورفعتك ونبلك وحيائك وتواضعك الجمّ، نظيرٌ بحجم زادك المعرفي وبحجم فلسفتك ووعيك وعبقريتك وأخلاقك العلميّة والإنسانية الحسنة العالية جدا؛ ذلك النظير الذي قد يأتي وقد لا يأتي إطلاقاً!
كتب لي الدكتور شاكر العزيز ذات مرة تواصلنا في أثنائها: “الشباب شباب القلب يا عادل هههه. ما دمت قادرا على العطاء فانت شاب ههههه”. وقد كان نفسه صاحب روح مرحة جميلة خفيفة الدم والظل معاً، مثلما كان ذا شخصية مستقلة تجمع في نسيج مركب ومختلف ووحدة متناغمة مع ذاتها، بين حكمة الشيوخ وعقلية الشباب وبراءة الأطفال.
الدكتور شاكر عبد الحميد إنسان لطيف وطيب للغاية، أستاذ نبيل وشخص شهم وكريم، مفكر عميق سامق مرموق، عالم جليل مؤثّر وإنسان بسيط في الوقت نفسه، لقد كان شخصاً مُحدَّثاً ومُلهَماً، كان محِبًّا للإبداع وألوانه ولقيم الخير والجمال، كان ولا يزال كما نتذكّره إنساناً متواضعاً ثم متواضعاً ومتواضعاً جِدًّا إلى ما لا نهاية وأعيدها وأكررها.
رحيلك يا دكتور شاكر العزيز، مرارة تجرّعناها وقلنا الحمد لله على كل حال… إنّ رحيلك غريب، فقدان جلل هو، خلف فراغا كبيراً، وخسارة كبيرة ليس من السهل تعويضها في لغتنا وحياتنا وفكرنا وثقافتنا وزماننا العربي. لقد كنت من روائع هذا الزمان وعجائبه، ومن متعه وأنواره العليا المحلقة في حياة أصدقائك والناس، ومن أجمل هدايا الله تعالى إلينا وإلى كل أحبابك وأعزائك وقرائك الكثيرين مِمّن تعرفهم ومِمّن لا تعرفهم كذلك.
سلام الله عليك ورحمته وغفرانه لك، رضي عنك وأفرحك وأنزلك في عالمك الآخر مقاما أفضل من الذي كان لك هنا، إلى تلك الدرجة التي لا يمكننا أبداً تصوّرها ولا توقّعها أو حتى تخيّلها.
التحيّة إلى روحك يا دكتور شاكر، إليها الخلود ولاسمك الوجود، إليك الرحمة، إليك الخير، إليك السلام أيها الرائع»•
متابعة: عبد الرحيم الصالحي