أصبح من شبه المؤكد أن ملف قضية الصحراء دخل منعطفا جديدا منذ 20 شتنبر المنصرم، إذ أصبح على المغرب التعامل مع تحركات مجموعة من الأطراف الصحراوية، بعضهما معادٍ للأطروحة المغربية، والبعض الآخر يطالب بطريق ثالث لحل النزاع في إطار السيادة المغربية.
وإذا كان المغرب خبِر في العقود والسنوات الماضية كيف يتعامل مع خصومه القدامى، المتمثلين في البوليساريو وحلفائها، والجدد، ما يسمى بـ«الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي»، فإنه يجد اليوم نفسه أمام اختبار التعامل مع المولود الصحراوي السياسي الجديد «صحراويون من أجل السلام»، الذي تقدم بأول طلب رسمي له إلى السلطات المغربية بعد عقد مؤتمره التأسيسي، يوم السبت الماضي بالعيون، برئاسة الحاج أحمد بارك، القيادي و«الدبلوماسي» السابق في تنظيم البوليساريو، حيث شغل مهمة ممثل تنظيم الجبهة في أمريكا اللاتينية.
في هذا الصدد، طالبت الحركة السياسية الجديدة، السلطات المغربية بالإفراج عن معتقلي «أكديم إزيك»، وهو المطلب الذي كانت تطالب به جبهة البوليساريو، وتجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان، المعروف اختصارا بـ«كوديسا»، وهو أيضا جزء من مطالب الهيئة الانفصالية الجدية بزعامة أمينتو حيدر. لكن هناك بونا شاسعا بين خطاب الجبهة وكوديسا وهيئة أمينتو، وبين خطاب حركة «صحراويون من أجل السلام»، حيث إن هذه الأخيرة تتعامل بأسلوب دبلوماسي وناعم يخطب ود المغرب، فيما تستعمل المجموعة الأولى خطابا يمتح من العدوانية والتهجم.
وأكدت حركة «صحراويون من أجل السلام»، التي تتهمها البوليساريو بالقرب من المغرب، أن مندوبيها «عبروا، من خلال مخرجات مؤتمر الحركة الأول، عن إرادتهم في الدفاع عن حقوق الصحراويين السياسية، الاجتماعية والاقتصادية، ليجددوا تبنيهم قيم الديمقراطية والتعددية السياسية، ومبادئ حقوق الإنسان، وفي مقدمتها العدالة، المساواة والتوزيع العادل للثروة، بما يؤسس لبناء مجتمع حضاري وديمقراطي»، كما حثوا «قيادة جبهة البوليساريو على اتخاذ خطوات ملموسة ومقنعة لجبر الضرر المادي والمعنوي عن الأضرار التي لحقت بضحايا القمع، فيما طالبت السلطات المغربية بالإفراج عن جميع المعتقلين الصحراويين، وعلى رأسهم معتقلو «أكديم إزيك».
هذا الخطاب الودي تجاه المغرب لـ«صحراويون من أجل السلام»، دفع هيئة أمينتو حيدر إلى الخروج في اليوم نفسه ببيان تقول فيه إن أعضاء الهيئة عقدوا اجتماعا ثانيا افتراضيا، يوم الاثنين الماضي، بعدما تعذر عليهم عقده ميدانيا، ونددت بما سمته الإجراءات القمعية والخارجة عن القانون الدولي التي تواصل السلطات المغربية ارتكابها ضد أعضاء الهيئة.
في اليوم نفسه، (الثلاثاء الماضي) خرجت، أيضا، جبهة البوليساريو ببيان آخر تنتقد فيه بشدة الأمم المتحدة بعد التقرير الأممي الأخير الذي كشف الانتهاكات التي تقوم بها، سواء في المخيمات أو شرق الجدار، وقالت إن البيان عبارة عن رسالة وجهها زعيمها المزعوم، إبراهيم غالي، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، والرئيس الدوري لمجلس الأمن، السفير فاسيلي نيبينزيا، الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى الأمم المتحدة، أكد فيها أن تقرير الأمين العام الأخير لم يعكس حقيقة الوضع المقلق في الصحراء.
وعاد غالي إلى اتهام الأمم المتحدة قائلا: «فالعملية السياسية مشلولة تماماً في وقت فقد فيه الشعب الصحراوي ثقته في الأمم المتحدة وبعثتها التي أصبحت، للأسف، متفرجاً سلبيا»، لكن أغلب المتتبعين يعتقدون أن البوليساريو أصبحت في مأزق بعد التهميش الإقليمي والدولي الذي تعيشه، خاصة مع بروز بديل سياسي يجادلها الشرعية التاريخية والنضالية التي تدعيها.