مقدمة: كان هذا أول ما كتبته من داخل زنزانتي لما نزلت بالسجن المحلي بتطوان/الصومال والذي تزامن مع عيد ميلادي الواحد و الستون (61 ) وأنا صوب الشيخوخة أمضي أعتقد أن الموت أفكاره بدأت إلى قلبي الآن تتسلل فلم أعد أستطيع أن أتخيل ما تبقى من حياتي دون أن أدلي باعترافاتي التي ستكون محور كتاباتي طول المدة المتبقية من العقوبة السجنية لهذا ربما أنا لازلت على قيد الحياة فكل ما يتوقف يموت ، تقول الكاتبة الفرنسية ” فرنسواز ساجان”: ( أنت في العشرين تستطيع أن تحب … و أنت في الثمانين تستطيع أن تحب … هناك دائما مناسبة لإشعال البرق ) .
على الموت أن ينتظر :
ماضيا صوب الشيخوخة مثل يوم آيل للزوال و مع ذلك لا أعاني الخوف من الموت فلم أخف في يوم ما منه و لما الخوف من حقيقة نعرفها و تدركنا ؟ ، نعم أتوقع الموت دائما و في أي لحظة لكنني لا أنتظره و لا أفكر فيه كي لا يربك انتظاري له ما تبقى لي من عمري ما يقلقني هو المرض لأنني أخشى منه على تعطيل حياتي و أنا ما زلت بحاجة إلى وقت كي أنجز الكثير من الأشياء .
لقد أحسست في كل مراحل عمري بحاجة مضاعفة لوجود أحلام خاصة شيدتها كنت أراها و أفهمها كما أنها داخل أرواحها الخاصة فلقد صاحبتني تلك الأحلام و أنا ميال للعزلة و ما أزال ، هذا الميل التخيلي تنامى في مرحلة الشباب ثم سيتوطد في المراحل المتأخرة من عمري و يتحول إلى النمط الطبيعي لوجودي الروحي فاليوم لم أعد أملك شخصية فكل ما يمكن أن يكون إنسانيا وزعته على محيطي فأنا اليوم نقطة تجمع لإنسانية صغيرة تخصني وحدي .
ما زلت على قيد الحياة :
من العسير أن نتظاهر بالحرية و السعادة فهي أمور بعيدة المنال فمن يعيش في الهموم المعقدة لعالم اليوم ، من يعيش دائما بانتظار الموت من العسير له أن يتظاهر بالسكينة لكن رغم مضي صوب الشيخوخة أمتلك إلهاما سعيدا و هو أن أحاول تنمية نفسي بوهم الطمأنينة ، هكذا إذن أتطور أمضي مغيرا شخصيتي مثريا قدراتي على خلق أشكال جديدة من التظاهر بإمكانية فهمي للكون بما هو موجود ، و ما وجد ، و ما سيوجد أو بالأحرى هكذا مضيت فأسلمت نفسي حسب طريقتي في الإحساس بالأشياء ، فكل واحد منا يجب أن يعيش حياته الخاصة ساعيا فحسب إلى ما يسره و لا أن يهرب من المشاعر المؤلمة باحثا عن أقل ألم ممكن .
في حقيقة مضي صوب الشيخوخة لا أريد سوى الحياة و أسعى لاستهلاك الساعات الممنوحة لهذه الحياة لأني غير قادر على شيء بشأن ما منحت من كينونة فعلى الأقل أتمنى لو كان الشر أعطاني السلام مقابل المصير ففي التوالي السريع للشهور الإثنى عشر ( 12 ) يمر العالم فقصيرة هي الأعوام فأي وزن لواحد و ستون ( 61 ) عاما في غابة الأرقام ؟ ، بأي حياة سأملأ الأيام الممنوحة لي ؟ ، أستكون حياتي لي أم للغير أم للظلال و حسب ؟ ، يستطيع القدر أن يمنع عني كل شيء سوى أن أراه فقدري هو ذاك المتاح لي ذاك الذي و هبني إياه الحظ .
شكرا لموت لم يجئ بعد :
بدأت تنتابني حالة قلق و شبه تأكيد انني سأموت حين دخولي الستين ( 60 ) من العمر هذا هاجسا مقيما في داخلي لا اخفي انني كنت قررت أن اعتزل الحياة حين بلوغي هذا السن و لقد بلغته و نفذت قراري احتجاجا على ما آل اليه حال واقعنا السياسي ، الاقتصادي ـ الاجتماعي ، الثقافي … و لست أدري ماذا سيحدث في الآتي قبل أن يدركني الموت خاصة و أني قد فتحت أمامي أبواب عديدة باب النسيان ، باب الذكرى ، باب الحنين ، باب الحب ، باب الاعتراف… و لكل باب من هذه الأبواب أسرار و ألغاز .
على ذكر هذه الأبواب و انطلاقا من باب الاعتراف على الخصوص حيث أمضي صوب الشيخوخة أعترف الآن أنه منذ الوعي الأولي كنت أحلم كثيرا أن أكون شيئا ما شيئا اعتباريا على اعتبار أن الإنسان لا يمر في الحياة دون أن يترك أثرا جيدا مهما صغر شأنه لهذا حاولت تفعيل أكثر من حلم في حياتي لكن هذا الحلم كان يتناقص تدريجيا لأنني كنت أكتشف باستمرار بمهارة العبث ربما أن لا جدوى منه في واقعنا المرير و المنهوب حتى من الحلم ، ومن هنا وقبل فوات الأوان سيكون لزاما علي و أنا صوب الشيخوخة أمضي أن أتقدم بمجموعة من الاعترافات لكل من أحببت في هذه الحياة فلم تعد كتفاي تستحمل ثقل رأسي فحملت قلمي و بسطت أمامي صفحة بيضاء و شرعت من داخل زنزانتي أكتب اعترافاتي و وصيتي .
فإليكم اعترافاتي بما ارتكبته من أحداث أبرئ بها نفسي أولا لكل ممن أحببت في هذه الحياة ثم بعد ذلك الناس والتاريخ فبعد تفكير طويل استجمعت نفسي وحسمت أمري وأقدمت – إن صح التعبير تجرأت وتجاسرت – فوضعت هته الاعترافات أول بأول.
يتبع …/…
عبد الإله شفيشو
السجن المحلي تطوان /الصومال