على امتداد عقود متتالية من الزمن، تشبعت السيدة لطيفة الخياطي بالعمل التطوعي النبيل، حتى غدت المبادرات الجمعوية والإنسانية التي تقف وراءها، أو التي تنخرط فيها، مثل الجينات التي تسري مسرى الدم في عروق هذه المرأة التي أعطت مدلولا واقعيا لمفهوم المواطنة، ونبل الخدمة الإنسانية.
هي واحدة من النساء القلائل في مدينة تارودانت اللواتي ساهمن في نفض الغبار عن مقدرات النساء، وفك القيود التي كانت تكبل بشكل تعسفي عطاء بنات حواء في مجالات شتى، فكانت بذلك مثل من يعتق أسيرات حكم عليهن بالركون مدى الحياة في الخانة الضيقة للوظائف التقليدية للمرأة في الاسرة والمجتمع.
منذ نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، ولجت السيد لطيفة الخياطي بوابة العمل والنضال الطويل النفس من أجل الرقي بالمرأة الرودانية في مدراج التطور والعطاء الذي يعود بالنفع على الاسرة وعلى المجتمع برمته، حيث ترأست سنة 1967 الإتحاد النسائي الروداني، في بيئة تخيم عليها إلى حد كبير علاقات اجتماعية ذات طابع محافظ.
إلى جانب هذه البيئة المحافظة المكبلة للمبادرة النسائية، كان مقر الاتحاد النسائي في تارودانت عبارة عن فضاء ضيق، كما كانت الإمكانيات المادية واللوجيستية المتاحة شحيحة، مما كان يستدعي من كل فرد، ذكرا أو أنثى، يؤمن بالعمل الإنساني والتطوعي أن يتحلى بصبر أيوبي، وأن يتشبث بحبال الأمل، إذا رغب في رفع مثل هذه التحديات.
ذلك ما تيسر للسيدة لطيفة الخياطي بفعل الدعم اللامشروط الذي كانت تتمتع به من طرف شريك حياتها، الحاج أحمد الحسيني، وكذا من طرف والدتها، إلى جانب علاقاتها الإنسانية الواسعة التي كانت تنسجها من الأسر الرودانية ، وتحرص على صيانتها، فضلا عن كونها تتمتع بمرونة منقطعة النظير في فن التواصل مع مختلف الفاعلين، وفي مقدمتهم السلطات المحلية.
هذه الخصال الإنسانية الرفيعة جعلت السيدة لطيفة الخياطي تحظى بمصداقية لا جدال فيها لدى العديد من الأسر التي تجاوبت مع مختلف المبادرات التي أطلقتها في إطار إشرافها على الإتحاد النسائي الروداني، الذي أصبح يستقطب العديد من النساء والفتيات اللواتي أقبلن على تعلم حرف الطرز بمختلف أصنافه، والخياطة، وصناعة الزرابي وغيرها.
هؤلاء النسوة والفتيات، اللواتي كن يجدن في الإتحاد النسوي الروداني أيضا ملاذا لتعليم النساء والفتيات مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، سيشكلن في ما بعد خلايا لتلقين هذه الحرف التقليدية لنساء وفتيات أخريات لم تتح لهن فرص الإلتحاق بالاتحاد النسوي، ليصبحن بذلك مثل “السنبلة التي أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة”.
وتمتد اهتمامات السيدة لطيفة الخياطي لتشمل مجالات التراث المحلي والوطني، المادي واللامادي، خاصة في شقه النسائي. ذلك ما يتجلى من خلال حرصها على إحياء واستحضار الزي التقليدي المغربي في كل فرصة أتيحت لها، كما هو الشأن مثلا بمناسبة الإحتفالات المخلدة للأعياد الوطنية وفي مقدمتها عيد العرش.
أثناء الاستعراضات المنظمة خلال هذه المناسبة الوطنية، تحضر الخبرة التي راكمتها في هذا الصدد عبر إلباس الفتيات المشاركات في الاستعراض، ومن ضمنهن كريمتها، هند الحسيني، الزي الأمازيغي، والزي الحساني، وباقي الأزياء الأخرى، مع يستتبع ذلك من تزيين الفتيات المشاركات في الاستعراضات بالحلي والجواهر التقليدية بشكل متناسق ينم عن سمو ذوق السيدة الخياطي، ودرايتها الكبيرة بمجالات اهتمامها الثقافية والتراثية.
لا تقتصر مجالات عمل السيدة لطيفة الخياطي على العمل الجمعوي والإنساني، بل يمتد أيضا إلى تدبير الشأن الجماعي حيث حظيت بثقة الناخبين الذين تشرفت بتمثيلهم في المجلس البلدي لتارودانت خلال ثلاث ولايات انتدابية، كان آخرها الانتخابات الجماعية لسنة 1983، فكانت بذلك من ضمن الرائدات اللواتي عبدن الطريق باكرا للعنصر النسائي المغربي لولوج مجال تدبير الشأن المحلي، عبر بوابة المجالس الجماعية.
وعلى الرغم من توالي السنين، فلم تتوان الفاعلة الجمعوية لطيفة الخياطي عن حقن نشاطها الجمعوي والإنساني بجرعات من الحيوية المتجددة، معبرة بذلك عن استمرار عطائها السخي الذي تجاوز عقده الخامس، ذلك ما ترجمته من خلال مشاركتها مؤخرا ضمن وفد من جمعية “تارودانت أولا” للمعبر الحدودي الكركرات، لتجدد بذلك الصلة مع نداء الوطن حين كانت من بين السباقات للمشاركة سنة 1975 في المسيرة الخضراء المظفرة.