قال الكاتب والباحث أحمد عصيد إن الرسومات الكاريكاتورية المسيئة إلى الرسول ﷺ، التي نُشرت في فرنسا وأثارت ردود فعل غاضبة من طرف المسلمين في مختلف أرجاء العالم، هي ردّ فعل على سعي الإسلام الراديكالي إلى فرض قيَمه على المجتمع الفرنسي.
واعتبر عصيد، في مداخلته ضمن ندوة سلطت الضوء على سؤال “هل التنوير مسيء إلى المقدسات”، أن “الرسوم المسيئة إلى النبي هي رد فعل وليست هجوما”، مضيفا أن “الذين يحسبون أن هذه الرسوم هجوم مخطئون، فلا يتصور العقل أن يأتي رسام كاريكاتير ويمسّ بمقدسات دين معين دون وجود خلفيات وأسباب”.
وفسّر المتحدث سبب إقدام صحيفة “شارلي إيبدو” على نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى الرسول ﷺ، التي أعيد نشرها على لافتات ضخمة في فضاءات عامة بفرنسا، بكونه ردا على “سعي الإسلام الراديكالي إلى فرض قيَم لا يقبلها منطق ولا عقل في إحدى أكبر الدول العلمانية؛ وهي فرنسا”.
وأردف قائلا: “إذا كان هؤلاء (يقصد الإسلام الراديكالي) يعتقدون أن هذه المحاولة ستمرّ دون أن يكون هناك رد فعل من المجتمع الفرنسي فهم واهمون”، مضيفا: “لا بد لفرنسا أن ترد على أي محاولة لإرجاع الدين إلى مجال السياسة، أو محاولة إرجاع قيم تخلص منها الأوروبيون منذ مئتي عام ويسعى الإسلام السياسي إلى إرجاعها إلى فرنسا”.
عصيد ألقى كامل مسؤولية نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى الرسول في فرنسا إلى الإسلام الراديكالي، وإلى التراث الإسلامي نفسه، بقوله: “الرسوم الكاريكاتورية جاءت لتسخر من المسلمين بسبب ما قالوه وما صرحوا به سواء في مساجدهم أو منشوراتهم أو أشرطتهم، أو ما ترجموه من كتبهم التراثية إلى اللغة الفرنسية”.
وذهب الباحث الأمازيغي المثير للجدل إلى القول إن من بين الأمور التي أراد الإسلام الراديكالي أن ينشرها في فرنسا مثلا، تقديم النبي قدوة لفرنسا، “أي أن الإسلام الراديكالي لا يؤمن بقيم الحرية والمساواة والإخوة التي تقوم عليها فرنسا، ويريد أن يقدم ما هو أفضل عندهم”.
وأردف: “من هذا المنطلق جاء الإسلام الراديكالي بأحاديث أن النبي تزوج بعائشة في سن السادسة وهذا ضد التنصيص قانونيا على 18 سنة كسنّ أدنى للزواج، الذي يرفضه الإسلام الراديكالي، ويريدون أن يردوا الاعتبار لما يعتبرونه قيمهم فترجموا البخاري إلى الفرنسية، ولكم أن تتصوروا موقف رسام الكاريكاتور الفرنسي الذي يقرأ البخاري ويجد فيه تلك الأشياء”.
عصيد انتقد بشدة من يسمّيهم بالإسلاميين الراديكاليين، ذاهبا إلى القول إنهم “يقدمون، في سعيهم إلى فرض قيمهم على المجتمع الفرنسي، كل الأحاديث السيئة والخطرة جدا التي يعتبرونها صحيحة، والتي لا يمكن أن تُقبل في الوضع الفرنسي، ولكنهم يَعتقدون أنها مقدسة، ويعتبرون أنه عندما يسخر منها الكاريكاتير فهذا غير مقبول وأنه إهانة لكرامتهم ولمعتقدهم”.
وتابع قائلا: “هم يقدمون أيضا الرسول على أنه قائد حرب يقاتل الناس، ولم يأتوا بحديث لعن الله الراشي والمرتشي، أو الأمور التي فيها رحمة، بل جاؤوا بكل ما عندهم في تراثهم من الغث والسمين، وهذه الأشياء السلبية هي التي أثارت ردود فعل من فناني الكاريكاتير ومن السياسيين، وحتى من الجالية المسلمة العلمانية نفسها، لأنه في فرنسا توجد جالية مسلمة مندمجة تقبل مبدأ العلمانية وتعتبر أنها ينبغي أن تعيش في استقرار وتنعم بكل إيجابيات فرنسا”.
وجوابا على سؤال: “هل التنوير يسيء إلى المقدسات؟” رد عصيد بالقول: “لا إطلاقا. الهدف الرئيسي للتنوير هو دفع الناس لاستعمال عقولهم بطريقة منظمة لكي يهتدوا بها إلى التمييز بين الحق والباطل، وبين ما هو منسجم في منطق الفكر وما هو منسجم مع الواقع والتاريخ والعلم”، مبرزا أن التنوير “هو بمثابة إشعال شمعة أو ضوء وسط ظلمات الجهل”.
وتابع بأن “هدف التنوير هو أن يزيح من الطريق العائق الفكري الثقافي، عندما يكون عائقا للتقدم، وهذا ما حدث في أوروبا وفي عدد من البلدان الآسيوية ويحدث الآن في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وإن كانت هذه البلدان متأخرة بشكل كبير، وهدف التنوير أيضا هو تنبيه العقول وإيقاظها من غفلتها وجعلها تفكر بشكل سليم”.
عصيد اعتبر أن التصادم بين التنويري وبين المقدس، “يحدث عندما يُقحم المقدّس في المجال السياسي فلا يبقى مقدسا عقديا دينيا شخصيا، بل يصبح مقدسا سياسيا يُفرض على الناس ويعاقَبون بموجبه إذا هم انتقدوه”، وزاد قائلا: “في السياسة لا مجال للمقدسات. يجب أن تسحب المقدسات من المجال السياسي لكي لا تُنتقد أو يُتهجم عليها”.