يتحمّس قطاع كبير من المغاربة لخيار عودة الحجر الصحي في المملكة للحدّ من انتشار فيروس “كورونا”، لكن هذا الإجراء سيكلّف البلاد خسارة اقتصادية جديدة ستكون تداعياتها قويّة هذه المرّة، نظراً لعدم عافية النّشاط الاقتصاديّ وتضرّر النّسيج المقاولاتي من تداعيات الجائحة.
ويرى محلّلون أنّ “عددا من التدابير يمكن اتخاذها للحد من انتشار الفيروس دون اعتماد الإغلاق الاقتصادي الكلي، من بينها محاصرة المناطق الموبوءة بدل تعميم الحجر، وإعلان التعبئة لتعقيم الساحات العامة، وإلزام المسؤولين عن المرافق باحترام تدابير النظافة والتباعد الاجتماعي”.
وفي هذا الجانب، يؤكّد أستاذ الاقتصاد السّياسي محمد حركات أنّ “الدّولة ستؤدّي فاتورة عالية إذا ما أعادت فرض الحجر الكلّي لأنّ إمكانياتها هشّة ومحدودة”، مبرزاً أنّها “لجأت إلى جيوب المواطنين للبحث عن موارد إضافية، في ظلّ تضرّر الشّركات والمقاولات”.
وأوضح الأستاذ الجامعي المتخصّص في الحكامة الاقتصادية أنّ “الدولة لم تقم بتضريب الثّروات والبحث عن الموارد الإضافية من عند الطّبقات الغنية، بل استهدفت الطّبقات المتوسّطة”، لافتا الانتباه إلى أنّ “هناك مؤشّرات تبين عجزا دولتيا كبيرا”.
ويبرز المحلل ذاته أنّ “الحكومة تبحث عن مصادر التّمويل من المنبع عبر فرض الضريبة على المواطنين، ولم تبحث عن الثّروة من عند الأغنياء، وهي طريقة سهلة ولا تكلّفها أيّ إجراء إداري مسطري معقّد”.
ويتوقّف المتحدث عند الدول التي أعادت الحجر الكلّي، مثل إيطاليا وفرنسا، وقال إنّها “ضمن الاتحاد الأوروبي، وتعمل بشكل تضامنيّ وجماعي لتجاوز مشاكل الجائحة”، مورداً أنّ “المغرب سيواجه تداعيات كورونا لوحدهِ”.
ويرى عبد الإله الخضري، الخبير في الابتكار والسّياسات الاقتصادية، أنّ “الاقتصاد المغربي حاليا في وضعية صعبة جدا”، وأن “الشركات المغربية تعاني من نقص حاد على مستوى السيولة، وبوجه عام على مستوى سلسلة القيمة”.
ويشير الباحث ذاته إلى أنّ “بنية المقاولات المغربية المالية وقدراتها التنافسية في عمومها هشّة كما هو حال الاقتصاد الوطني”، مورداً أنّ “الحجر الصحي كان له وقع كبير بل ومدمر لنسبة كبيرة منها، وإذا اضطر المغرب إلى إعادة فرض الحجر الصحي بشكل شامل فإن الأزمة ستشتد وطأتها على النسيج المقاولاتي المغربي”.
ويعتبر المحلّل ذاته أنّ “إعادة الحجر قد تسهم في انهيار آلاف المقاولات أكثر مما شهدته الموجة الأولى من الوباء، وهو ما ينذر بانكماش اقتصادي واسع النطاق، وبالتالي إثقال كاهل المغرب بمزيد من الديون الداخلية والخارجية، وتعميق اختلال ميزان الأداءات”.
وكنتيجة لهذا الخيار، يردف الخضري، “سيفقد آلاف المواطنين مناصبهم، في مقابل عجز واضح من الدولة عن تخفيف العبء المادي عن المتضررين”، مشيراً إلى أنّ الإغلاق الاقتصادي الشامل ستكون له انعكاسات كارثية على الوضع السوسيو اقتصادي المغربي.
ويقترح المتحدث ختاما “اعتماد إغلاق جزئي بدلا من الحجر الشّامل، وتحسيس المواطنين بضرورة اعتماد التباعد الاجتماعي والاحترازات الوقائية اللازمة”.