إثر التصنيف الأخير لوكالة “فيتش” الذي أثار غضب والي المغرب بسبب خفض التصنيف السيادي للمملكة واصفا إياه ب “غير مهني”، إرتأت أخبار7 الغوص في هذا الموضوع عبر ثلاثة أسئلة وجهناها إلى المحلل الاقتصادي الأستاذ “موراد غاندي” مستشار قانوني وجبائي بمدينة الدار البيضاء فكان منه الجواب التالي:
حاوره عبد الرحيم الصالحي
س1. على أي أساس تبني وكالة “فيتش” Fitch Ratings إحصائياتها في تصنيف الدول؟.
ج. بداية أخي الكريم دعني أقدم تعريفا مختصرا عن الوكلة، فوكالة “Fitch Rating” تأسست سنة 1913 على يد John knowles Fitch، و يوجد مقرها الإجتماعي بكل من نيو يورك و لندن. تعتبر شركة رائدة في مجال خدمات المعلومات المالية، أو ما يصطلح عليه باللغة الفرنسية “Une Agence de notation Financière” , و تعني كلمة Notation بكل بساطة التنقيط أو التصنيف، وتصنف الوكالة ضمن الوكالات الأربع الكبرى عالميا في هذا المجال بعد كل من Moody’s , standard poor و الوافد الجديد الشركة الصينية Dragong.
عودة إلى سؤالك أخي الكريم، فالغرض من وكالة التصنيف المالي “Fitch Ratings” هو توجيه المستثمرين في استثماراتهم و ذلك بالإعتماد على عدة عوامل مختلفة مثل، قدرة السند (l’obligation) على مقاومة التقلبات الإقتصادية بالإضافة الى مقدار ونوع الدين أي (les Dettes) الذي تملكه شركة أو حكومة ما. ونظام التنقيط أو التصنيف “le système de notation” المعتمد من طرف Fitch Rating يتكون أساسا من : النقطة AAA كتصنيف مثالي “la meilleur note de confiance” ، إلى النقطة D كدرجة أدنى “Gros risque”. فيمكن القول بأن الوكالة تساعد المستثمرين على دراسة السوق قبل إقدامهم على الإستثمار بأي دولة، وتصنيفها تصنيف يرتكز على مجموعة من المعطيات التقنية المرتبطة بالمديونية وحركية الإقتصاد ونسبة البطالة… وغيرها، وللأسف فالتصنيفات التي تقدمها هذه الوكالة ذات مصداقية على الصعيد العالمي وبالتالي فالمغرب في محك لإثبات عكس تصنيفها الأخير.
س2. كيف تقرؤون هذا التصنيف، وهل يمكن للمغرب تفاديه بمعنى أدق؛ هل يمكن للمغرب تجاوز هذا التصنيف؟.
ج. كما يعلم الجميع فوكالة التصنيف Fitch Ratings قامت بإنزال المغرب درجة إستثمارية أقل في التصنيف من BBB- إلى BB+ و هي ضربة موجعة لاقتصاد البلاد.
أرى أن الأمر عادي جدا بل كان متوقعا؛ فهو تحصيل حاصل، و ذلك لعدة أسباب من بينها أولا التأثير الشديد لوباء فيروس كورونا على الاقتصاد المغربي، ثانيها وجب الحديث عن المؤشرات التي تدل على معاناة وضعف الاقتصاد المغربي قبل الجائحة، فجائحة كوفيد 19 لم تكن سوى النقطة التي أفاضت الكأس، الأكثر من ذلك أن تردي الوضع الاقتصادي بالبلاد كانت له أسباب و مسببات.
ومن وجهة نظري، هو مؤشر على بداية نهاية أو إنقراض الطبقة المتوسطة (la classe moyenne) التي تعتبر المحرك الرئيسي للاقتصاد المغربي، سببه الإرتفاع المهول لتكلفة المعيشة بالمدن الكبرى بالمملكة خاصة الدار البيضاء والرباط وطنجة، هذا الإرتفاع المهول لتكلفة المعيشة أثر سلبا على الطبقة المتوسطة والتي أصبحت فئة معظمها عاجزة عن تسديد ديونها، و هو بطبيعة الحال ما تسبب في عجز الموازنة (le déficit budgétaire) الذي يبلغ حاليا 7,9% من الناتج المحلي (PIB).
دعني هنا اتطرق إلى نقطة مهمة ألا وهي إفلاس العديد من الشركات خصوصا les Startup أو المقاولات المتوسطة والصغيرة نظرا لغياب أو إنعدام الثقة بين أرباب المقاولات (les contribuables) و مصلحة الضرائب، هذا الوضع بدوره كان له تأثير سلبي جدا على الواردات الضريبية بالبلاد (les recettes fiscales)، وهذه نقطة مهمة كان لها وقع كبير وتم استغلالها بذكاء ضمن المعايير التي تتخدها وكالة Fitch ratings في التصنيف.
مسألة أخرى أخي الكريم لم يتم إحترامها وهي قانون المواعيد النهائية للدفع أو ما يصطلح عليه “les délais de paiement- la loi 32-10” الذي تم إنزاله يوم 06 أكتوبر 2011, والذي ينص على الإلتزام باحترام المواعيد النهائية للدفع من قبل التجار وبالتالي يحدُّ من فترة السداد إلى 60 يومًا كحد أقصى من تاريخ إستلام البضائع أو أداء الخدمة إذا لم يقم الشركاء بذلك، لا يوجد حد زمني.
إصافة إلى ذلك، فالتحايل و عدم تطبيق هذا القانون من طرف التجار (les creanciers) و كذا من طرف الادارات العمومية و أخص بالذكر هنا “les marchés publics” سرع بالعديد من المقاولات المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا (les startups) الى إعلان إفلاسها، بالرغم من إجراء بعض التعديلات على هذا القانون سنة 2016 و كذلك في سنة 2020 إبان ظهور هذه الجائحة، إلا أنه من وجهة نظري الخاصة ، فهذا القانون لا يصلح لأي شيء إن لم يتم تطبيقه بحذافره على أن لا يستثني منه أي كان.
اليوم، أكبر معظلة يعاني منها الاقتصاد المغربي هي القطاع الغير المهيكل، وأنا لا أتحدث هنا عن “االفراشة” ” أو الباعة المتجولون….الخ” بل أخص بالذكر الشركات الوهمية التي تستغل المخازن و (les caves) لانتاج النسيج وعدة منتوجات أخرى حيث تقوم بإغراق السوق، هذه المعضلة الكبيرة تقوم بحرمان خزينة المملكة من عائدات مهمة من الإيرادات الضريبية (la recette fiscales).
أتحدث هنا عن المضاربات العقارية (la spéculations immobilières) الذي تتحكم فيه مافيا العقار، والذي يعد كذلك سببا رئيسيا في تدني مستوى الاقتصاد بالبلاد، دون نسيان طبعا هذه الجائحة التي عرت عن واقع الاقتصاد بالمغربي.
أرى أنه للنهوض بالاقتصاد المغربي و لتفادي تضييع المزيد من الدرجات وفقد ثقة المستثمريين الأجانب، يجب آنيا و في أقرب وقت تكثيف الجهود على كافة المستويات لتدبير هذه المرحلة الحرجة، كتشجيع الصناعة المحلية، تحفيز المقاولين الشباب والأهم هو خلق الثقة بين أرباب المقاولات ومديريات الضرائب لأن رب المقاولة يُعتبر بدوره زبونا لمديرية الضرائب، كما أقترح إعفاءات (les amnesties fiscales) تليق بمستوى المقاولات، هذه الإعفات يتم إقتراحها سنة خلال السنتين الماضيتين مثلا، وفي اعتقادي أن توقيتها غير مناسب بتاتا، لماذا ؟
مثلا: سنة 2019 قامت المديرية العامة للضرائب (DGI) باقتراح إعفاءات ضريبية (les amnesties fiscales) لأصحاب الترويج العقاري (les promoteurs immobiliers) في الأسبوع الأخير منشهر ديسمبر 2019 ولكي يستفيد أرباب المقاولات السالفة الذكر من هذا الإعفاء، يجب عليهم تسديد مبلغ 40% من قيمة المبلغ المحصل عليه قبل 31 دجنبر. هذا في نظري حد الهراء. على الأقل يجب اقتراح الإعفاءات ابتداء من شهر نوفمبر أو بداية دجنبر، حتى يتمكن المعنيون بالأمر من توفير السيولة المالية (la tresorerie) المناسبة، وللأسف الشديد نفس الخطأ تكرر هذه السنة لمجموعة من القطاعات. أن الغاية من الإعفاء (L’amnestie fiscales) هو الإيرادات الضريبية التي بها يتمكن المغرب من تسلق الدرجات في تصنيف Fitch Ratings.
س3. هل يمكن اعتبار غضبة الجواهري والي بنك الغرب أو ‘غضبته’ من تصنيف “فيتش” واقعي أم أنه ردة فعل يحجب ما خفي؟.
ج. أرى أن ردة فعل السيد الجواهري من تصنيف وكالة “Fitch Ratings” أو عدم رضاه بها منطقي وواقعي، لأنه في الظرفية الاقتصادية الحالية التي يمر بها العالم بأسره، لا يمكن الإعتماد على هذه التصنيفات كمعيار ، لأنه في وجهة نظري، مثلا لو لم تُغلق الحدود وتم دخول العديد من السياح الأجانب و لم تتوقف الواردات و الصادرات خلال فترة الحجر الصحي فلا أظن أن المغرب سيفقد درجة في التصنيف، لكنها ستكون على حساب الصحة العامة للشعب المغربي ولدرء الضرر اعتم المغرب كباقي دول العالم أغلاق الحدود كإجراء صحي للوقاية من الجائحة.
أظن أن هذا التصنيف سابق لأوانه، و لكن لا يجب النوم في العسل فهناك متربسين يستغلون كل هفوة ولو كانت جائحة للإحاطة بالأنظمة الاقتضادية، ويجب النهوض والعمل من أجل الرقي بالاقتصاد المغربي قدما، لأنه في نهاية المطاف سيكون خيرا للبلاد و للمواطن المغربي.