عبدالله تخشي
تشكل مسألة الهوية والثقافة مفتاح والية ضرورية لتعمق أكثر في محددات نزاع الصحراء من الجدور إلى واقعه الحالي ،فعادة مايتم إغفال الجانب الذي ذكرته أو يتم ركنه في زاوية ضيقة لاتحاط بالقدر من الإهتمام الذي يمنح للجوانب الأخرى (الجيوالسياسية- الإقتصادية- التاريخية- الدينية)
لذلك سوف نحاول أن نستعرض أهم الجوانب الظاهرة والخفية لنزاع الصحراء المغربية من أجل الوصول إلى خلاصة عامة وشاملة لجوهر النزاع.
يعتبر نزاع الصحراء من النزاعات الدولية الذي عجزت الأمم المتحدة ومختلف الهيئات الدولية والإقليمية عن إيجاد حل لتسويته نظرا لتعقد تركيبته تاريخيا وجغرافيا وسياسيا وثقافيا ،وتدخل الأطراف الخارجية والإقليمية بشكل ملاحظ في النزاع وفق مايخدم أجندتها ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة وهو ما يقلل من الجهودالرامية لتحقيق السلام وإيجاد حل دائم لهذا المشكل الذي طال أمده وحال دون تحقيق الوحدة لشعوب المغرب العربي.
الدولة الحديثة والهوية الوطنية : تعتبر إشكالية الهوية والمواطنة مفتاح ضروري لفهم مشكلة الصحراء المغربية فالمواطنة والإنتماء إلى الدولة المغربية قبل الإستعمار كانت تتجسد في الروابط الروحية والدينية من خلال البيعة التي يقدمها شيوخ القبائل إلى السلطان بمعنى أن الإنتماء إلى الأرض أو الوحدة الترابية في المجتمعات التقليدية في ذلك الوقت تتمثل في ولاء المحكومين للحاكمين وفق قواعد ومبادئ دينية روحية وقانونية وإقتصادية (العملات). وحتى محكمة العدل الدولية أكدت في رأيها الإستشاري على وجود روابط قانونية تتمثل في البيعة التي يقدمها سكان الإقليم لسلاطين المغرب على مر العصور ،لكن المشكلة تكمن في حقبة الإستعمار الفرنسي الإسباني على المغرب ،حيث أن المغرب عكس باقي الدول تعرض للإستعمار من دولتين إضافة إلى تقسيمة إلى أربعة مناطق نفوذ (منطقة الريف والصحراء تحت إدارة الإسبان والوسط والجنوب تحت حكم الفرنسيين) وهو ما جعل مهمة الإستقلال وتحرير كامل الأراضي تكون عسيرة لأن المستعمر قطع أراضي من المغرب ولم يريد التنازل عنها نظرا للدور الإستراتيجي والحيوي الذي تشغله ومن هذه الأراضي الصحراء المغربية التي جعلتها إسبانيا محافظة تابعة لها إلى أن تمكن المغرب من إسترجعها بعد قيامه بالمسيرة الخضراء 1976.
التنوع العرقي والثقافي: هذا شأن يشكل جانب من جوانب التخلف في المجتمعات العربية ومعظلة أساسية في بنية العقل العربي التي تحول دون النهوض بالمجتمعات العربية والسير بها في مقدمة الأمم والدول كما أن الإيمان العرقي يشكل مفتاح رمزيا لقراءة مختلف النزعات ومنه نزاع الصحراء المغربية فلايكاد يحيد عن مسامعنا نزاعات عرقية وطائفية ودينية في المشرق والمغرب العربي ويعتبر من مخلفات الإستعمار الفرنسي الذي أدرك التنوع والتلاحم الثقافي في المجتمع المغربي ليوجه إهتمانه في هذا الجانب لإثارة حروب نفسية وفتنة طائفية وعرقية ترسم له سيناريو يتوافق مع مساعيه وتظمن بقائه ،وكان هذا هو المشهد في المغرب بعد الإستقلال وبعد تأسيس جبهة البوليساريو حيث كانت الصحراء المغربية لاتزال في قبضة الإسبان بحجة إختلاف سكانها ثقافيا وإجتماعيا وقانونيا مع سكان المغرب مايعني أننا ورثنا من الإستعمار الفتنة العرقية ولم نورث منه الدولة المدنية الحديثة ووحدة الأرض لاتتجزأ رغم الإختلاف في العرق والافكار والأجناس نذكر على سبيل المثال (إصدار مرسوم الظهير البربري )والأمثلة كثيرة في هذا الصدد .
الحرب الباردة (الأنظمة الثورية والليبرالية): كان للحرب الباردة دور الرئيس في النزاع المفتعل حولى الصحراء المغربية فالأنظمة الثورية الماركسية كانت تؤيد الإنفصالات والإستقلال بحجة مايسمى بالتقرير المصير دون أخد بعين الإعتبار المعطيات الثقافية والتاريخية للإقليم فا الأنظمة الشوعية المتطرفة تغلب الجانب الأيديولوجي في القضايا الداخلية والخارجية وحتى في الخطابات الرسمية التي تصدر من مسؤولين وهو ماغطت به الجزائر وكوبا وليبيا وفنزويلا دعمها، العسكري والدبلوماسي للإنفصال في الصحراء بلباس التحرر وتقرير المصير،بالمقابل حصل المغرب على تأييد كل من فرنسا والولايات المتحدة االأمريكية.
وهكذا نستخلص أن المرجعية الثقافية مهمة في قراءة جذور نزاع الصحراء فهو قبل كل شيء مشكل هوية وثقافة وليس مشكل حدود ووحدة ترابية ،فإرساء أسس الدولة المدنية والديمقراطية التي تقوم أولا على اللامركزية الإدارية والقانونية والحفاظ على خصوصيات الثقافية للإقليم وإعتماد المقاربة التشاركية يتمكن من خلالها سكان الإقليم في المشاركة في صنع القرارت وتسيير أقاليمهم الجنوبية كل ذلك يهيئ الظروف والمناخ للمبادرة المغربية للحكم الذاتي الذي سيحل النزاع بشكل نهائي .