بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي لموقع أخبار7
أيامٌ قليلة بقيت على الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الرابعة في غضون عامين، استطاع خلالها نتنياهو أن يستمر رئيساً للحكومة الإسرائيلية أصيلاً أو بصفة تصريف أعمالٍ، ما مكنه من الاحتفاظ بمنصبه الأعلى في الكيان الصهيوني مدةً إضافيةً، أغاظ بها خصومه، وأضعف بها منافسيه، وتجنب خلالها ويلات التحقيق وكوابيس المحاكمة والسجن، وبقي أثناءها بعيداً عن التوقعات التي تترصده والمصير الذي ينتظره، وما زال في منصبه سيداً يراوغُ، وزعيماً يناورُ، وقائداً يحكم، ومالكاً يسيطر، متحدياً الظروف الصعبة التي يواجهها، والتحديات الكبيرة التي تعترضه، والتي كانت آخرها خسارة حليفه دونالد ترامب وفوز جو بايدن الذي ناكفه قديماً ورئيسه كثيراً، وأساء إليه وإلى إدارته عامداً.
يدرك نتنياهو الذي ما زال يتمتع بأعلى نسبة تأييد في الشارع الإسرائيلي، كأنسب شخصية يمكن أن تشغل منصب رئاسة الحكومة، أن قادة الأحزاب يتربصون به ويتآمرون عليه، وأنهم يخططون للإيقاع به وإسقاطه، وأنهم يعملون جميعاً على مشروع “بديل نتنياهو”، أياً كان هذا البديل، المهم ألا يكون هو رئيساً للحكومة، فهم يدركون أنه إن فاز هذه المرة في الانتخابات، وشكل حكومته برئاسته دون معاورة مع حلفائه، فإنه سيكون الملك بجدارة، ويستحق أن يكون طالوت “إسرائيل”، وصاحب الهيكل الثالث، وسينفذ على المستويين الداخلي والخارجي برامجه، رغم أنهم يعلمون أن دورته هذه إن فاز فيها فستكون هي الأخيرة بالنسبة له، إذ لن يترشح لغيرها، ولن ينافس على سواها، ولن يطرح اسمه رئيساً لدولة “إسرائيل”، إذ سيكون حينها الترشيح لهذا المنصب قد فاته، ولكنه يريد هذه الدورة تحديداً أكثر من غيرها، إذ فيها نجاته ومستقبله، وفيها هزيمة خصومه واندحار منافسيه.
لا يقف نتنياهو متفرجاً على الأحداث ينتظر عصا موسى السحرية، أو يتوقع معجزةً من السماء تساعده، بل يستغل بنفسه كل وقته، مستفيداً من قدراته الشخصية ومواهبه الفذة التي يتميز بها ويعترف بها الآخرون، في إعادة فك وتركيب الساحة الحزبية الإسرائيلية بما يخدم مشروعه ويحقق أهدافه، وبما يضعف خصومه ويشتت منافسيه، فهو لا يحتاج فقط إلى ضمان حصوله على أعلى الأصوات، بل يريد أن يكون متفرداً في تشكيل الحكومة، وأن يكون رئيسها دون تناوبٍ، وألا يكون في الكنيست حزبٌ يمثل بيضة القبان أو لسان الميزان، فقد عانى كثيراً من أفيغودور ليبرمان وحزبه إسرائيل بيتنا، على مدى الدورات الثلاث التي سبقت، إذ كان هو ضابط التحالفات والممر الإجباري لتشكيل الحكومة، ولكنه اليوم استطاع بوسائل عديدة أن يشغله بنسبة الحسم التي قد لا يتجاوزها، وأن يزيحه عن بورصة التشكيلة الحكومية التي أضناه فيها وأجبره على بناء تحالفاتٍ لا يريدها.
لا شك أن جدعون ساعر بات يشكل له صداعاً كبيراً، وأنه بانشقاقه عن حزب الليكود وتشكيله حزب “الأمل الجديد”، فإنه قد يحصل على نسبةٍ من الأصوات اليمينية المؤثرة، ولكن نتنياهو لم يقطع خيوط تواصله مع فريقه، ولم يفقد الأمل في ولائهم لليكود، ويبدو أنه سيتمكن ولو بعد صدور نتائج الانتخابات من استمالة بعضهم، وإعادة ترحيلهم إلى حزبه من جديد، إلا أنه حريص أن يبقى ساعر بعيداً عنه، لكنه يريده منزوع الريش ضعيفاً محروماً من أي التفافٍ حوله أو تأييدٍ له.
أما نفتالي بينت الذي يحاول الافلات من قبضة نتنياهو، وتشكيل تكتل من الأحزاب اليمينية المتطرفة، بما يهدد نتنياهو أو يرغمه على التحالف معه، فإن الأخير لا يفتأ يحاول العودة إلى هندسة الأحزاب اليمينية، والتأثير على الأحزاب الدينية، مستفيداً من عدم ألمعية بينت، وافتقاره إلى كاريزما القيادة والزعامة التي تدفع الموالين له للالتفاف حوله، ويذكر الإسرائيليين بتناقضاته وعدم قدرته على اتخاذ قراراتٍ حازمة وجادة في الأوقات الصعبة والأزمات المستحكمة، ويسعى نتنياهو إلى أن يحرم بينت من وراثة ليبرمان كمركز ثقل مرجح في تشكيل الحكومة، وذلك من خلال إعطاء شخصية مستقلة للأحزاب المشكلة لتكتل ييمنا، بما يمكنها من إمكانية الانتقال من يمينا إلى الليكود، الأمر الذي يحرم بينت من إمكانية المناورة أو التفاوض والابتزاز.
أما القائمة العربية المشتركة، التي كانت تستحوذ في الانتخابات الثلاثة السابقة على قرابة ثلاثة عشر عضواً في الكنيست، فقد تمكن نتنياهو من شقها وإضعافها وتشتيت أصواتها وبث الخلافات بينها، بعد أن نجح في استمالة منصور عباس، ووعده في حال التحاقه بائتلافه والتصويت لصالحه عند تشكيل الحكومة، بالاستجابة إلى طلبات المواطنين العرب، وتحسين شروط عيشهم، بل ووعد منصور عباس بوزارةٍ في حكومته، حيث من المتوقع وفق استطلاعات الرأي أن تحصل القائمة العربية الموحدة التي يرأسها على أربعة أصوات.
لا حديث عن مستقبل أزرق أبيض بزعامة بيني غانتس الذي خسر أمام نتنياهو وساعد في تفكيك ائتلافه واندثار حزبه، إذ لا يتوقع له أن يتمثل في الكنيست القادمة، وكذا الحال مع أحزاب اليسار الضعيفة المتهالكة، إلا أن يائير لابيد يبقى رابضاً يتربص بنتياهو، وينتظر الفرصة للانقضاض عليه، ولكن نتنياهو يعلم استحالة حصول معسكر لابيد على أكثر من 48 صوتاً في الكنيست، اللهم إلا إذا حدث المستحيل وتحالف مع اليمين المتطرف، الذي لن يتحقق أبداً، حتى لو رغب نفتالي بينت في ذلك أملاً في رئاسة الحكومة بالتناوب.
قد يكون نتنياهو في خطر، ولكنه يرى أنه خلق على أسنة الحراب ليقاتل، وقدره أن يعيش حاملاً سيفه ليدافع عن معتقداته، ولكنه يتباهى بأنه وهو في لجة البحر المتلاطم الأمواج، قادرٌ على أن يلتمس طريقه، ويحدد هدفه، ويصل إلى غايته، فلا تستبعدوا أن يعود رئيساً للحكومة الإسرائيلية مغروراً بنفسه مزهواً بنصره بلا منافس، فيما أظنه العلو الأخير الذي يمهد للسقطة المميتة، التي لا يخشاها نتنياهو فقط، وإنما تحذر منها كل الأحزاب اليهودية، أن خاتمة الدولة قد أشرفت، وزمن العلو قد انتهى، وزوال الكيان قد أزف زمانه وحل وقته، وظهرت علاماته، وبدأت شمسه بالغروب الأخير.
بيروت في 6/3/2021