آراءسلايدشو

المساعد الاجتماعي تحت مجهر المعرفة

في كل زمان و في كل مكان، تكاد تكون موجودة ، ضرورية و فعالة : انها مهنة  المساعدة الاجتماعية بمختلف أشكالها و بشتى تدخلاتها من طرف عدد محدود من رجالها و نساءها على السواء. فقد يحتاج إليها سواء الفرد او الجماعة، و في المؤسسة كلا الوافد و المغادر و في غالب الاحوال من عموم الناس  من هم في وضعية هشاشة و مرض و إعاقة ومن هم عرضة  ضياع  و إهمال  او ضحية عنف و تهميش و كذلك ممن يشكون  من الفقر أو العوز او الهشاشة.                                                                 

             انها ليست مهنة من لا مهنة له، خاصة و ان  العاملين  فيها بغض النظر عن تكوينهم الاكاديمي، فقد تعددت معارفهم و تنوعت مداركهم و تميزت كفاءاتهم  من خلال تحصيل التجارب الإنسانية التي ترتطم بمسيرتهم المهنية. لم تكن قط منحصرة على فئة الإناث  بقدر ما قد يمتطيها معسكر الرجال فتصبح كغيرها من الوظائف العمومية التي تستقطب شريحة واسعة من الشباب الذي يتوق الى تحقيق التغيير  و التنمية و الطمأنينة و السلم بين ذويه وسط مجتمعه. تجدر الإشارة ان كلا من طرق الاشتغال و تقنيات العمل لدى المساعد الطبي الاجتماعي هي محددة و معتمدة علميا يحترم فيها مبادئ و معايير العمل الاجتماعي المتعارف عليها دوليا و المصادقة عليها من طرف الفدرالية الدولية للعمل الاجتماعي.                                                                                                                                        

         بين مرشد و معين و بين مخبر و باحث، يقتضي دور المساعد الاجتماعي كما هائلا  من آليات التواصل الشفوي، و يتطلب معرفة واسعة بتقنيات التحرير الكتابي، بحيث ان الحالات الاجتماعية الوافدة على مختلف مشاكلها شخصية او مادية او إدارية او معنوية قد تنحدر من وسط عائلي شبه منعدم كحالة ام عازبة  ارملة بدون معيل، و قد تكتسي صبغة قانونية استثنائية كما هو الشأن بالنسبة للمسنين في وضعية الشارع او بدون مأوى و كذلك الاطفال المهملين او اليتامى و حتى ضحايا العنف أيا كان نوعه، و قد تنتمي الى منطقة جغرافية معينة  امثال أصحاب الأصول الامازيغية و ممن قدموا من خارج الوطن كالمنحدرين من دول جنوب الصحراء  مهاجرين او مستوطنين او لاجئين.                                                                                                            

         ان المساعد الطبي الاجتماعي الذي يعمل بمستشفيات الدولة بمعية الفريق المعالج هو دوما محط أنظار المترددين  و المرتفقين بالإضافة إلى الزوار و المرضى، يكون على اهبة الاستعداد لآجل استقبال و توجيه و اخبار و مصاحبة الوافدين خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة و المعوزين  و العالقة ملفاتهم بمكتب الدخول و الفاتورة بالإضافة  إلى الغائظين و المزعجين و المعارضين على أداء الخدمات الطبية فضلا عن بعض المستاءين. آنذاك يصير مكتب المساعد الطبي الاجتماعي ملاذا لتهدئة النفوس المضطربة و مكانا لوضع حد للمعاناة لشريحة هامة من المواطنين الذين يجدون انفسهم مكرهين و مرغمين على طلب المساعدة وسط دوامة من المشاغل الاجتماعية لا يقوون على مواجهتها بأنفسهم و من جراء موجة من التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية.                                    

            على أرضية الواقع المعاش، ان نطاق عمل المساعد الطبي الاجتماعي يتعدى فضاء المستشفى في متابعة حالات المرضى.  يقوم   من خلال مقابلة فرد في مكتبه   بخلق الحوار معه بغرض بناء علاقة المساعدة و من تم يسود  جو الإخلاص و الثقة. و بواسطة بحثه الاجتماعي يكون المرشد الاجتماعي بمثابة الاخصائي  في الدعم النفسي و الخبير في دراسة  ظروف الضحايا  و المتمرس في تحليل الآلام و الهموم الإنسانية، همه الوحيد إشراك  زبونه في كيفية إيجاد الحلول و الخروج من الازمات و تجاوز الصعوبات: نذكر منها على سبيل المثال التدخل أثناء خضوع مريض محتاج لعملية جراحية باهظة قد لا يغطي التأمين الصحي الإجباري تكاليفها او مواكبة  قدوم شخص الى المستشفى، مجهول الهوية، فاقد للذاكرة او الوعي،  مضطرب السلوك، و بدون شك مشلول الاطراف لا رفيق يصحبه و لا سكن قار يؤويه ، يقوم المساعد قدر المستطاع وقت إبلاغه من طرف إدارة المستشفى  بتدبير حاجيات المريض منذ طرحه على فراش سريره بتوفير ملبسه  و الى جانب فريق العلاج  يحرص على نظافته و تناول دواءه مع محاولة الاتصال بأقاربه او السعي مرتجلا في إعادة ادماجه اسريا اولا، فاجتماعيا ثانيا، الى غاية وضعه في مركز للحماية او الإيواء اذا اقتضى الأمر. هذه الاجراءات كلها تأخذ باحترافية كبيرة و تحت مسؤولية مدير المؤسسة و بمراجعة دقيقة لقانون الحماية الاجتماعية. بنفس الطريقة و على ضوء قانون التكفل بالنساء ضحايا العنف بمجرد وصولهن للمستشفى، يكون للمساعدة الاجتماعية دور مهم في توجيه الحالة  لعرضها على الطبيب المختص بالفحص،  مع تسهيل المساطر  الادارية، و استفادة الضحية من كل الخدمات الضرورية،  مع مواكبة الحالة خارج المستشفى ايضا في كل مراحل المتابعة القانونية. هناك أشخاص يعيشون على عتبة الفقر و في مدار الأمية و خارج دائرة الامن و الاستقرار من بينهم أطفال في وضعية الشارع،  و متسولون متسكعون،  و مسنون متخلى عنهم، و نساء أرامل ليس لهن دخل او مورد عيش كريم، و مهاجرون غير شرعيون لا يتوفرون على بطائق هوية و لا على تغطية اجتماعية  ، قد يلجؤون في كل وقت و حين الى وحدة الاستقبال صوب المساعدة الاجتماعية طالبين تقديم يد  العون  و تلقي الابتسامة و انشراح الصدر و الحصول على الامل و حسن الرجاء.                                                                                                                          

                 طبيعة عمل المساعد الطبي الاجتماعي تشمل دخوله في شبكة من العلاقات العامة: مع الفريق الطبي بداية لأجل تذليل الصعاب، و مع باقي المهنيين من  أمثاله في المؤسسات الاخريات قصد إتمام مهامه و كذلك مع جملة من جمعيات المجتمع المدني باعتباره رافعة نحو التنمية المستدامة و الشاملة. كما يحيط بالمساعد الاجتماعي  مجموعة من المحسنين و المتطوعين في الأعمال الخيرية، يقوم بنفسه بتأطيرهم و ارشادهم صوب الحالات الاجتماعية الوافدة على المستشفى. في غالب الأحيان يستقبل الهبات التي تمنح لفائدة  المرضى و يقوم الى جانب اطر ادا رية بنفس المستشفى بجردها و خزنها او توزيعها على المستفيدين حسب الطلب و عند الحاجة. تربطه علاقة مهنية مع مجموعة من الشركاء الاجتماعيين و الحقوقيين و المنتخبين المحليين يتوخى منها جزئيا امتصاص الظواهر الاجتماعية التي يصعب احيانا استيعاب ظروف تواجدها  نذكر منها ظاهرة النازحين من بلدان اعترتها الحروب و  متسولون او مشردون اكتظت بهم الشوارع،  او عاطلون منتفضون قد يتسببون في عمليات الشغب.  دراية هذا الاخصائي في الحقل الطبي الاجتماعي مع مجال دراسته الاكاديمية في علم الاجتماع و علم النفس و القانون و التربية قد تزكي مكانته في لعب دور الوساطة الاجتماعية، و الدور الطلائعي في مجال التفاوض وفض النزاع، مع التحلي بروح المسؤولية  و حسن المعاملة . فهو احيانا كالقس وقت اطلاعه على أسرار المذنبين، و في مرات عدة كالمحامي  يدافع عن  المظلومين المهضومة حقوقهم، و في غالب الاحوال بفضل ثقافة الانصات،  يشغل موضع الاخصائي  النفسي  في التخفيف  من المعاناة. كما لا يخفى علينا ان المساعد الطبي الاجتماعي يملك مواهب شتى  قد تفيده  في  تنظيم برامج  للأنشطة الموازية  و الترفيهية و بعض  حصص الدعم التربوي لفائدة نزلاء  و موظفين المستشفى معا، فيكون ذلك  كفيل و رهين كي يعكس  صورة  جميلة  لجودة خدمات المستشفى.                                           

بتصرف  :    محمد صغير خنطاش

مساعد طبي اجتماعي بجهة الرباط

المكتب التنفيدي الجديد للجمعية الوطنية للمساعدين في المجال الطبي الإجتماعي

المقالات المشابهة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى