تواصل الجزائر، محاولاتها لإقناع عددٍ من الدول الإفريقية التي فتحت قنصليات لها في الصحراء المغربية، مؤخرا، بالتراجع عن هذه الخطوة، كان آخرها اللقاء الذي جمع وزير خارجيتها صبري بوقادوم، برئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، الذي يُنتظر أن يتولى قيادة الاتحاد الإفريقي بداية من الشهر المقبل.
وبالرغم من كلّ التغيّرات التي طرأت على ملفّ الصحراء المغربية، والتي كرّست مغربيتها، وقرّبت من إنهاء النزاع المفتعل الذي دام لأزيد من أربع عقود، إلا أن الجارة الشرقية للمملكة، لم تملّ من مواصلة البحث عن تأييد لجبهة البوليساريو الانفصالية، واضعةً قضية جماعة الرابوني، جنباً إلى جنبٍ مع بقية الملفات السيادية للبلاد.
وكان ملفّ الصحراء المغربية، قد عرف زخماً كبيراً خلال سنة 2020 الماضية، بعدما قررت مجموعة من الدول افتتاح قنصليات لها في المدن الجنوبية من المملكة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي طورت موقفها من تأييد مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط سنة 2007، إلى الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
ومع استمرار الانتصارات الدبلوماسية للمغرب في ملفّ الصحراء، مقابل تواصل الانتكاسات للجزائر، بدأ مجموعة من النشطاء يطرحون عدداً من الأسئلة بخصوص الجبهة الانفصالية، على رأسها تلك المتعلقة بمدى سيطرة نظام الجنرالات على البوليساريو، في ظلّ توالي التقارير الدولية التي تتحدث عن فقدان الجارة الشرقية للمملكة، لولاية تندوف بشكلٍ نهائيٍّ.
وكانت مجلة “لوبوان” الفرنسية، قد قالت في تقريرٍ لها، على هامش المناورات العسكرية الأخيرة لجيش شنقريحة، إن ولاية تندوف غير تابعة للأراضي الجزائرية، وتخضع لسيطرة جبهة البوليساريو الانفصالية، وهو ما أغضب سلطات الجارة الشرقية، التي عبر سفيرها في باريس عن استغرابه الشديد من مضمون المقال، واصفا ما ورد فيه بـ”الانحراف الخطير”، على حد وصفه.
وفي هذا السياق تساءل الأكاديميّ المغربي، إدريس جنداري، في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، على هامش ما ورد في “لوبوان”: “هل ينقلب السحر على الساحر و تتحول تندوف إلى وطن بديل لانفصاليي البوليساريو؟!”، مضيفاً: “زلة لسان مجلة le point تحتاج تلقيا نفسيا لأنها تعلن أكثر مما تضمر.. بلغة التواصل السياسي، هي بالون اختبار سيكون له ما بعده!”.
ومن جهته، علّق الإعلامي المغربي المقيم بكندا، عبد الرحمان العدراوي، على مقال مجلة “لوبوان”، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، “عدراوي لايف”، ساخراً: “المقال قالوا فيه بلي تندوف هي منطقة تحت سيادة البوليزاريو.. الجزائر سكنوا بوليزاريو عندهم، ناضوا خداو ليهم الأرض”.
ويرى متابعون، بأن الطريقة التي تفاعلت بها السفارة الجزائرية بباريس، والتي أصدرت بياناً اعتبرت فيه بأن ما جاء في المقال، انزلاق خطير، ودعت إلى اعتذار إدارة الصحيفة، وحالة الغضب التي شابته، تفضح بأن بلاد الجنرالات، صارت بالفعل في ورطة حقيقية، جراء صعوبة تخلصها من الجبهة الانفصالية، التي تحولت مع توالي السنين، وفق مراقبين، من “نعمة” إلى “نقمة”.
ويوضح المتابعون بأن الجزائر وبالرغم من سيطرتها على البوليساريو، إلا أنها وصلت لمرحلة باتت فيها غير قادرة على تغيير موقفها من الجبهة الانفصالية، أو التفكير في إخراجها من تندوف، أو حتى نزع السلاح منها، لأن ذلك، حسبهم، يمكن أن يتسبب في مواجهات مسلحة بين الطرفين، وهو ما لا تتمنى الجارة الشرقية للمغرب في الوصول إليه.
ويبدو أن سيناريو توطين البوليساريو في تندوف، بالصحراء الشرقية، التي كانت جزءاً لا يتجزء من الأراضي المغربية، قبل أن يضيفها الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر، بدأ يجد مؤيدين له في الساحة، بالرغم من أنه لم يرق إلى إعلانه في خطب رسمية، إلا أن العديد من أتباع الجبهة الانفصالية، بدأوا بالفعل، التفكير جدياً في الأمر.
وما يعُزّز إمكانية بقاء البوليساريو في تندوف، هو استقرارها الفعليّ بها، وسيطرتها عليها، حيث تمتلك سلطات إدارية ودركاً وأجهزة أمنية ومؤسسة عسكرية، ما يزيد من صعوبة تغيير الجزائر لموقفها، حيث إن الأخيرة، باتت وفق مراقبين، بين نارين، نار الاعتراف بمغربية الصحراء ودفع الجبهة للقبول بالحكم الذاتي، وهو لا يخدم المصالح الجزائرية، التي تضع قضية الصحراء ضمن أولوياتها.
والنّار الثانية، وفق الخبراء، هي أن الجزائر، لا تستطيع أيضا طرد الجبهة الانفصالية من تندوف، لأنه الأمر يعني خسارة النّزاع، وهو ما يعني استمرار استيطان الانفصاليين للصحراء الشرقية، ما يُكرّس ما جاء في مجلة “لوبوان” الفرنسية، من سيطرة أتباع البوهالي على تندوف التي يُرجح العديد من المراقبين، بأنها ستكون وطن البوليساريو الدّائم.
واعتبر نشطاء، بأن المبرّر الذي أعطاه عدد من الصحافيين الجزائريين، في ردهم على مقال “لوبوان”، بشأن أن بلادهم تستضيف لاجئين صحراويين، غير صحيح، لأن الأمر في وضعية مخيمات تندوف، تتعلق بجماعة مسلحة، ومجموعة من المدنيين، وهو ما يجب أن يضاعف، حسبهم، من مخاوف الجزائريين، باعتبار أن وجود تنظيم مسلح داخل البلاد، يمكن أن يُهدّد استقرارها.
المصدر ج.ب