بقلم الكاتب غاندي الحبيب /
فشل المنتخب المغربي لأقل من عشرين سنة في تحقيق نتيجة إيجابية بكأس إفريقيا المقامة حاليا بموريتانيا، وعاد مرة أخرى، بخفي حنين بعد فشله في تجاوز نظيره التونسي في مرحلة ربع النهاية، ليبقى التتويج القاري الوحيد لهذه الفئة الأقل من 20 سنة هو ذاك الذي تحقق قبل أزيد من عشرين سنة وبالضبط دورة 1997 التي نظمت بكل من مدينتي فاس ومكناس وعرفت تألق لاعبين أمثال طارق السكيتيوي ، عادل رمزي ، حميد تيرمينا ، يوسف السفري وآخرون.
جل المتتبعين يحملون مسؤولية الإقصاء للمدرب “زكرياء عبوب” والسبب لا يرتبط فحسب بالظروف الملائمة التي وفرت له للذهاب بعيدا في هذه المنافسة والتتويج بها، بل أيضا طريقة تدبيره للمقابلة خاصة وأن الإقصاء جاء بعد اللجوء للضربات الترجيحية في وقت كان بإمكان المنتخب تحقيق التأهل على رقعة الملعب دون اللجوء لضربات الترجيح هذه. لنترك هذه النقطة جانبا فالإقصاء وارد دائما في كرة القدم وأيضا لكون مسألة المدرب بدورها تبقى ثانوية إذ قد يتم استبداله بمدرب آخر متى دعت الضرورة لذلك، لكن الأساس توفر مشروع وجب إنجاحه.
في الحقيقة، من الضرورة بمكان تحقيق الفوز على الأقل في هذه المقابلة وتجاوز المنتخب التونسي حتى يكون للتتويج بلقب الشان مصداقية في ظل امتناع منتخبات الأندية المتفوقة قاريا من المشاركة في تظاهرة الشان : تونس، مصر وجنوب أفريقيا، لأن عكس ذلك يؤكد بما لايدع للشك أن منتوجنا المحلي يبقى في مرتبة ثانية بعد مصر وتونس بالأساس خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف البطولات المحلية للمنتخبات المشاركة في الشان الأخير، ولا أدل على ذلك فريق الاتحاد البيضاوي المحتل للمرتبة الأخيرة في البطولة الاحترافية للقسم الوطني الثاني والذي كاد أن يتجاوز بطل زامبيا في المباراة الفاصلة المؤدية لدور المجموعات لكأس الكاف بل أكثر من ذلك أقصى فرق عتيدة ببطولاتها المحلية قبل أن يصل لهذه المرحلة.
ماذا بعد الإقصاء ؟
على المسؤولين في الإدارة التقنية الوطنية الاستفادة من الأخطاء السابقة وعدم الوقوع فيها مرة أخرى لاسيما في ظل إشراك طاقات كان لها باع طويل على صعيد المنتخب الوطني ولها دراية بدواليبه سواء على مستوى اللعب للمنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها أو حتى على مستوى تدريب المنتخبات الوطنية والتي اكتفت بدور الملاحظ والتي لم يكن رأيها يؤخذ بعين الاعتبار في الفترات السابقة إذ كانت تكتفي فقط بإبداء رأيها فقط على وسائل الإعلام.
إن الإقصاء من ربع كأس أفريقيا المقامة حاليا بموريتانيا لا يعني نهاية العالم بقدر ما هو محطة لتقويم هذا المنتخب الذي يجب أن يكون نواة المنتخب المغربي على المدى الطويل، ونواة المنتخب الأولمبي المقبل على إقصائيات أولمبياد باريس 2024 على المدى المتوسط وذلك بإعدادهم بدنيا وتقنيا وتكتيكيا ونفسيا إذ لا يجب إهمال أهمية المعطى النفسي في تكريس تفوق منتخبات شمال أفريقيا على المنتخبات المغربية لأسباب وراثية لا مجال لذكرها الآن، مع التشبع بقيم الوطنية. فاللعب للمنتخب لا يعني فرصة لتحقيق مكتسبات مادية أو رياضية، والخطأ الذي كان يرتكب في السابق هو إحداث القطيعة مع هذه المنتخبات في حالة وجود أي كبوة والعودة من جديد لنقطة الصفر بدءا من تغيير الطاقم التقني ونهاية بتغيير اللاعبين واستبدالهم كليا بلاعبين من أبناء المهجر لا علاقة لهم وجدانيا بالمنتخب المغربي الذي يبقى فقط و عند الغالبية العظمى منهم فقط حل ثان بعد فشلهم في إثبات وجودهم بمنتخبات البلدان التي نشأوا فيها ولا أدل ذلك محاولات الناخبين الوطنيين المغاربة والمسؤولين في إقناعهم باللعب للمنتخب المغربي بدل بلدان المهجر. لقد سبق للمنتخب المغربي أن حقق في فترات سابقة نتائج طيبة باعتماد نفس السياسة مع منتخب 1986 الذي شكلت نواته بعد الهزيمة بخمسة لواحد بالدار البيضاء أمام المنتخب الجزائري فاستبدل الفريق المتوج بكأس أفريقيا لسنة 1976 بعناصر شابة ضمت رفاق الزاكي والتي حققت التفوق قاريا وعالميا بعناصر غالبيتها محلية ثم منتخب 1998 الذي سبق أن تبوأ المرتبة السابعة عالميا والأول أفريقيا لفترات طويلة وكان المرشح الوحيد للفوز بكان 1998 لولا حالة التسيب التي كان يعاني منها، هذا المنتخب الذي تشكلت نواته من عناصر محلية لعبت بالبطولة الوطنية والتي لعبت بجانب بعضها البعض منذ الفئات الصغرى لفترات متواصلة أو منقطعة مع تطعيمها بلاعبين من بلدان المهجر فقط متى دعت الضرورة لذلك والجميع يعلم أن كل من مصطفى حجي و رشيد العزوزي هما اللاعبين الوحيدين الذين وجدوا لهم موطئ قدم فالتشكيل الرسمي الذي سيطر عليه اللاعب المحلي الذي انطلق من البطولة الوطنية واحترف بأوروبا أو الخليج عبر بوابة المنتخب الوطني.
في سنة 1998 غداة تتويج فرنسا بالمونديال أشاد الرأي العام الرياضي العالمي وحتى المحلي المغربي بتجربة فرنسا التي مكنتها من تحقيق هذا التفوق والتي تعود لرؤية تم التخطيط لها قبل ذلك بحوالي 15 سنة بعدما أشرف جيل بلاتيني وتيغانا وهنري ميشيل على نهاية مساره وفشله في تحقيق التفوق العالمي، حينها لجأ المهتمون بشؤون كرة القدم الفرنسية إلى العناية وتكوين وتأهيل الفئات الصغرى على أساس السيطرة عالميا على المدى الطويل بغض النظر عن نتائج منتخبات باقي الفئات الشباب و الأولمبي و حتى المنتخب الأول على المدى المتوسط الذي فشل في المشاركة بكل من مونديال 1990 ومونديال 1994 بعد الهدف الشهير لكوستادينوف في الوقت بدل الضائع في قلب حديقة الأمراء والذي كان مأتما حقيقيا على صعيد فرنسا في إبانها لم تضطر فيه الجامعة الفرنسية على حل المنتخب و لا حتى القيام بتغيير جذري على مستوى الإدارة التقنية فقط قبلت استقالة الناخب الوطني الذي عوضه فقط مساعده إيمي جاكي فقط لأنها كانت تمتلك رؤية وآمنت بالمضي فيها حتى النهاية وتلك الرؤية هي تحقيق التفوق وهو ما كان بعد أربع سنوات بتحقيق اللقب العالمي و اللقب القاري سنة 2000 . مناسبة سرد هذه التجربة أن الرأي العالم المحلي من لاعبين سابقين وصحافة خلال الفترة نبهوا للمرحلة التي كان يعيشها المنتخب المغربي خلال الفترة بعدما بلغت عناصره مرحلة الأوج والتي ستدشن كلها مرحلة التراجع باستثناء نور الدين النيبت الذي بقي مستمرا في عطاءه حتى ملحمة 2004 التي أفشلت، التحذير هذا لم يلق أية آذان صاغية لدى المسؤولين الذين لم يولوا اية أهمية للعنصر المحلي فدخل المنتخب المغربي مرحلة انحطاط مازالت مستمرة حتى يومنا هذا.لكن ما عجز المسؤولون المغاربة عن إدراكه أدره المسؤولون الإسبان بعد متابعتهم للاعب كيكو وهو يسجل الهدف الخامس في مرمى المنتخب البلغاري وعينه تذرف بالدموع شأنه في ذلك شأن باقي لاعبي إسبانيا بعد تأكد مغادرتهم لمونديال فرنسا من الدور الأول قبل نهاية المقابلة حينها وضع هؤلاء المسؤولون الإسبان رؤية ومشروع يهدف رد الاعتبار للكرة الإسبانية والاستفاد من التجربة الفرنسية بحذافيرها والتي أعطت بعد عشرة سنوات فقط أكلها بالتتويج قاريا مرتتن متتاليتين 2008 و 2012 و عالميا 2010 .