أثار الحضور الحاشد للنّوّاب البرلمانيين عن حزب العدالة والتنمية خلال جلسة المصادقة على مشروع تعديل طريقة احتساب القاسم الانتخابي، أمس الجمعة، الجدل، حيث وُصفه بـ”الإنزال”، الذي جاء بعدما شعر المنتمون لـ”المصباح”، أن مقاعدهم باتت مهدّدةً، في الوقت الذي دافع فيه بيجيديون عن هذه الواقعة، واعتبروها طبيعية للدفاع عما أسموه بـ”الديمقراطية”.
وفاجأ حزب العدالة والتنمية رئيس مجلس النواب لحبيب المالكي، الذي طلب من “البيجيدي”، الالتزام بالتدابير الاحترازية التي تفرض تقليص عدد النوّاب الحاضرين من كلّ فريق، غير أنه استجاب أخيراً للأمر، غير أنه آخر انطلاق الجلسة لغاية التحاق نواب آخرين من الفريق الأخرى، المؤيد لمقترح تعديل القاسم الانتخابي.
وبالرغم من سعي العدالة والتنمية إلى إيقاف تمرير المشروع الجديد، بعدما حضر إلى قبة البرلمان بـ 120 نائباً، إلا أن التعديل مرّ بعد تصويت الأغلبية عليه، عقب التحاق أعضاء الأحزاب الأخرى، ليجد “المصباح” نفسه، في مرمى الانتقادات اللاذعة، خصوصاً أن العديد من القوانين التي لم تكن في صالح المواطنين، لم تشهد الاستنفار الذي وقع أمس، وفق تعبير البعض.
وفي هذا السياق، قال أحمد بندويش العبدي، في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، معلّقاً على صورة البرلمان مكتظاً: “هذا ماشي افتتاح ديال الولاية التشريعية، والأمر لا يتعلق بمناقشة موضوع اجتماعي، هاذوا غير العدالة والتنمية دايرين إنزال باش ميخليوش التعديل ديال القاسم الانتخابي يدوز”.
وأضاف بندويش: “الكارثة ماشي هنا، الكارثة هي بزاف ديال القوانين الاجتماعية والاقتصادية دازت فالبرلمان ومتسوقوش ليها، عدد منها داز بتصويت ديال 5 و6 و10 و20 برلماني في أحسن الحالات، ولكن دبا هذا قانون كيعنيهم وغادي يأثر عليهم وعلى مصلحتهم وفيه تعويضات سمينة وامتيازات مهمة، وهادشي لا مخاصوش يدوز قاموا بهاذ الفعل البئيس وغير المقبول”، حسبه.
ومن جانبه، كتب المحامي نوفل البعمري، في تدوينة على حسابه الشخصي بـ”فيسبوك”: “فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب عندما وقعت فاجعة طنجة لم يقوموا بالإنزال الذي شاهدناه اليوم، لأن الموتى لا يصوتون.. وعندما خرج المتظاهرون والمحتجون في الفنيدق للاحتجاج على الركود الاقتصادي والإجراءات التي قررتها الحكومة”.
وأوضح في التدوينة ذاتها، أن صور النساء وأصوات الشباب الغاضب، لم تستفزهم، ليتحركوا “للقيام بالإنزال داخل النواب لمساءلة الحكومة على الوضع الاجتماعي المتأزم هناك”، مسترسلاً: “وعندما تضررت قطاعات اجتماعية كبيرة، ومقاولات صغرى ومتوسطة وتشرد الكثير من العمال، لم يستفزهم الوضع ليحشدوا ما حشدوه اليوم في مجلس النّواب”.
وأردف: “لكن عندما تعلق الأمر بالمقاعد الانتخابية والكراسي والامتيازات الكثيرة التي سيفتقدونها، وحالات التنافي التي ستحول الكثير منهم ممن قال عنهم بن كيران إنهم كانوا يحلمون فقط بأن يكونوا في الديوان وليس وزراء و رؤساء جهات و عمداء مدن.. قاموا بحشد الفريق وحشرهم في البرلمان في مشهد لم نكن نراه إلا في الجامعة وفي أيام استقبال الطالب الجديد”.
وردّاً على ما أثاره البعمري بخصوص أن عدداً من القضايا لم تشهد استنفاراً من حزب المصباح، قال عبد العالي حامي الدين، القيادي في “البيجيدي”، إن جميع القضايا المذكورة “سبق لحزب العدالة والتنمية أن أثارها داخل البرلمان، إما في أسئلة كتابية أو شفوية.. وهي قضايا لا تحتاج للتصويت ولا تحتاج إلى حضور جميع الأعضاء”.
ومن جهته اعتبر الصحافي مصطفى بن الراضي، أن ما وقع يدل على أن حزب العدالة والتنمية، يستغرق في “حالة من الانفعال والشرود والدفق مع الأحداث التي فقد معها القدرة على تدبير زمنه السياسي وتقديم جواب على أكثر من قضية، بما استحال معه مراقباً لما تجري به المقادير السياسية التي تصنع له ويجد نفسه في حالة رد فعل عليها”.
وزاد بأن “الإنزال السياسي الذي قام به الحزب في البرلمان اليوم، من خلال أكثر من 100 برلماني، دليل واضح على حالة التوتر التي يعيشها، وشعوره بالضغط الشديد”، مضيفاً: “على كل حال، يخض البيجيدي الآن لتقنية الإيهام بالغرق، حيث توضع قطعة ثوب على وجهه ويجري تبليلها باستمرار، بما يمنع عنه الهواء، فيعيش شعوراً بالغرق يجعله يفقد التركيز تماماً، وفي حال تشويش تامة”.
باختصار، يتابع بن الراضي في تدوينة على حسابه بـ”فيسبوك”: “العدالة والتنمية يتجه إلى أكبر خسارة سياسية في تاريخه (لا أقول انتخابية)، لأنه فقد القدرة على التحكم في إيقاعه قبيل أشهر من الانتخابات، وهي نتيجة معقولة ومتوقعة لسلسلة مقدمات ومتتاليات، والآن يحاول الاستدراك”، وفقه.
وأشار بن الراضي إلى أن حزب العدالة والتنمية، “فشل في تدبير المرحلة وفي تقديم جواب سياسي على كثير من المحطات كحزب أول، وفضل تدبيراً جزئياً لقضايا آنية كانت أكثر من أمر آني، إلى خطة إنهاك بعيدة المدى، ما تسبب في استنزافه داخليا وخارجياً/شعبيا، وإخضاعه لحالة إجهاد تنظيمي مكلف”.
وتابع: “لعلها من المرات القليلة التي يدخل فيها الحزب الانتخابات دون عدو واحد محدد، يمكن أن يبني عليه استراتيجيةً انتخابية نقيضة، تمنحه مسوغات إنتاج خطاب سياسي كان يمزج دوما بين المظلومية ورسم حدود التمايز مع الخصم، والاستثمار في تفوق أخلاقي يقول بنظافة اليد في تدبير الشأن العام، وهذا أوقع الحزب في إرباك حقيقي، يغذيه التناقض الداخلي المتصاعد، وعلى أكثر من صعيد، وفي قضايا تمس الوتر الحساس في عصب لحمة العدالة والتنمية”.
ومن جهته، دافع الإعلامي منير أبو المعالي، عن حضور نواب العدالة والتنمية خلال جلسة الأمس، حيث كتب بأن “التدابير الاحترازية المتعلقة بتقليص عدد النواب عن كل فريق لحضور الجلسات العامة لا تفرق منع النواب بأكملهم من الحضور إذا شاؤوا ذلك”، متابعاً: “ذلك هو مضمون قرار المحكمة الدستورية الصادر في شهر يونيو الفائت، في قضية المصادقة على مشروع مرسوم التمويلات الخارجية”.
واسترسل أن “عبد اللطيف وهبي، النائب في البرلمان، والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، قدم دعوى إلى المحكمة الدستورية آنذاك يطعن بواسطتها في التصويت على مرسوم تجاوز سقف التمويلات الخارجية، بواسطة تفويض حق التصويت إلى تمثيليات مصغرة لكل فريق نيابي. الدعوى تأسست على أن التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه، ويجب أن يكون لكل نائب في المجلس الحق في التصويت”.
ونبه إلى أن “المحكمة الدستورية، وإن لم تستجب لطعن فريق حزب الأصالة والمعاصرة بهذا الخصوص، وأقرت دستورية التصويت وفقا للتصويت المقلص بسبب التدابير الاحترازية، إلا أن قرارها المنشور على موقعها يشير بوضوح إلى أن هذه الوسائل الاستثنائية لم تفض على كل حال إلى منع أي نائب من الحضور، ولا تقوم أيضا بمنع أي نائب من الحضور”.
ومضى أبو المعالي يقول، إن هذا الأمر، “يستشف منه بحسب قرار المحكمة الدستورية، أن حق كل نائب في الحضور لا يمكن تقييده البتة بأي تدابير، خصوصا حضوره جلسات التصويت إن أراد ذلك. وما لم يحدث منع، فإن التدابير الأخرى تبقى دستورية أيضا”، مختتماً: “بمعنى أدق: فإن حضور كامل أعضاء فريق حزب العدالة والتنمية لجلسة التصويت على القوانين التنظيمية، ليس فيه وفق منطوق قرار المحكمة الدستورية، أي مخالفة للدستور، بل إن فرض منعهم من الحضور هو المخالف للدستور”.