بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي ظن الفلسطينيون أن السياسة الأمريكية قد تغيرت برحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أظهر انحيازه السافر وولاءه الفاضح للكيان الصهيوني، وأعلن تأييده المطلق له، ودعم سياسته ولبى حاجته، ومنحه أكثر مما كان يرجو ويتمنى، ففرح الفلسطينيون لخسارته ورحيله، واستبشروا بالإدارة الجديدة خيراً، وظنوا بها الظن الحسن، وتوقعوا منها أن تصلح ما أفسده سلفها، وأن تتراجع عن الجرائم السياسية التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وأن تنصفه ولا تظلمه، ولا تتحالف مع الكيان الصهيوني ضده، ولا تساعده في عدوانه، أو تؤيده في استيطانه. لكن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جوزيف بايدن خيبت أمالهم، وأكدت ظنونهم بأن السياسة الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني ثابتة لا تتغير، ومستقرة لا تتبدل، فقد تعاهدت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأة الكيان على تأييده ونصرته، ودعمه وتمكينه، والوقوف معه وعدم التخلي عنه، وحمايته والدفاع عنه، والتصويت لصالحه واستخدام الفيتو لحمايته، مهما كان ظلمه بيِّنَاً وعدوانه سافراً. فقد أجمع أربعة عشر عضواً من أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر، على ضرورة إصدار بيانٍ صحفي يدين الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، ويدين ممارسات سلطات الاحتلال بحق المصلين في المسجد الأقصى، ويحملها المسؤولية عن تدهور الأوضاع الأمنية، وتشجيع المستوطنين للقيام باقتحام المسجد الأقصى وانتهاك حرمته، ودعت مسودة البيان الصحفي الحكومة الإسرائيلية إلى احترام حقوق المواطنين الفلسطينيين وعدم الاعتداء عليهم وعلى ومقدساتهم، وتمكينهم من حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية. لكن مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن رفض البيان الصحفي وأسقط مشروعه، بحجة أنه لن يخدم في خفض العنف في القدس والمناطق الفلسطينية، وأكد أن بلاده تلعب دوراً مباشراً وأكثر أهمية لتهدئة الأحداث الجارية، ثم رفض اقتراح عقد جلسة عامة لمجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في القدس والمناطق الفلسطينية، وأصر أن تبقى جلسات مجلس الأمن مغلقة، واعتبر أن إعلانها قد يزيد من حدة التوتر ويرفع من مستوى العنف في المناطق، وما زالت الإدارة الأمريكية على موقفها الرافض لإصدار أي بيانٍ أو قرارٍ قد يدين إسرائيل أو يحملها المسؤولية عما يجري في أحداثٍ في القدس، أو عدوانٍ في قطاع غزة. رغم أن دولة الصين الشعبية هي التي ترأس مجلس الأمن لهذه الدورة، وأيدها في قرارها بالإضافة إلى الدول العشرة غير الدائمة في مجلس الأمن، كلٌ من روسيا وبريطانيا وفرنسا، إلا أن الدول الأربعة الكبرى، إضافةً إلى الأعضاء غير الدائمين، عجزت عن ثني الولايات المتحدة عن موقفها، واستسلمت أمامها وخضعت لرفضها، وبذا فشل مجلس الأمن الذي يفترض فيه أن يكفل القانون ويحمي الأمم، ويسعى لنشر السلام وتعميم مفاهيم العدالة والأمن، ولم يصدر عنه أي موقف، الأمر الذي فهمته الحكومة الإسرائيلية، على أنه ضوء أخضر أمريكي للمضي أكثر في العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، والإصرار على سياستها العنصرية في حي الشيخ جراح، ومواصلة انتهاكاتها لحرمة المسجد الأقصى المبارك. قد يقول البعض أن الرهان على مجلس الأمن مهزلة، وأنه مضيعة للوقت وهدرٌ للطاقات في غير محلها، فمجلس الأمن الدولي وفق نظامه الحالي القائم على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن نظام العضوية الدائمة، وامتياز حق الاعتراض على القرارات والبيانات وإفشالها، لا يرجى منه الخير، ولا نتوقع منه النصرة والعون، وسيبقى حافظاً للكيان حامياً له، مدافعاً له حريصاً عليه. رغم ذلك فإنني أرى أهمية كبيرة لمداولات مجلس الأمن سواء كانت سرية أو علنية، وأدعو تونس وهي العضو العربي في المجلس إلى بذل المزيد من الجهد في الساعات القادمة، رغم أن نتيجتها قد تكون الفشل، فأن توافق على القرار أربعة عشر دولة وتعارضه دولة واحدة أكثر من مرة، من شأنه أن يحرجها كثيراً، وأن يدفعها لمراجعة موقفها، أو ممارسة الضغط بصورة سرية وغير معلنة على حكومة الكيان الصهيوني، لتجبرها على تغيير سياستها والتوقف عن أعمالها العدوانية ضد الفلسطينيين، سواء في القدس والضفة الغربية، أو في قطاع غزة
. يتبع….
بيروت في 15/5/2021