يعتبر التنمر بالوسط المدرسي شكل من أشكال العنف وهو سلوكا عدوانيا متكررا من تلميذ او أكثر بتلميذ آخر عمدا سواء بالإساءة اللفظية او الجسدية او النفسية. ويهدف المتنمرون بتصرفهم هذا إلى اكتساب السلطة على حساب الاخرين ولينظر إليهم على أنهم أقوياء. وقد يتم هذا من أجل لفت الانتباه أو بدافع الغيرة أو لأنهم تعرضوا لمثل هذه الأفعال من قبل الغير. وترجع أسباب ظهور التنمر في المدارس إلى التغيرات التي حدثت في المجتمعات الإنسانية والمرتبطة أساسا بظهور العنف والتمييز بكل أنواعه. فكثيرا ما ينحدر المتنمرون من الأوساط الفقيرة التي تعيش في المناطق المحرومة وتعاني من مشاكل اقتصادية في ظل وضع يتسم باتساع الهوة والفوارق بين الطبقات الاجتماعية. وعادة ما يكونون خصوصا القادة منهم من الشخصيات المضادة للمجتمع حيث تكمن خطورة هذا النوع في إمكانية تحوله خارج المدرسة إلى مشروع مجرم يهدد استقرار المجتمع. وقد يأخذ الأمر منحى أكثر خطورة وأكثر تهديدا لسلامة وحتى لحياة الضحايا، إذ يحضر المتنمر أسلحة بيضاء إلى المدرسة زيادة في ترهيب الضحية إذا ما تجرأ على الإفصاح عما يتعرض له من تنمر، بل ويهدد أيضا أصدقاء الضحية بالأذى إذا ما حاولوا التبليغ عن تصرفاته أو الشهادة ضده. وليس هناك فرق بين الذكور والإناث، فقد يكون المتنمر وكذا الضحية من الجنسين، ما يجعل المتنمر به سواء كان أنثى أو ذكرا فريسة لعواقب وخيمة. وقد تعود أسباب التنمر أيضا إلى اضطرابات نفسية تحتاج إلى علاج دوائي يتم الكشف عنه من قِبل طبيب مختصا في الطب النفسي للأطفال. فان كنا نجد في مجتمعاتنا المعاصرة ميل الأسر إلى تلبية الاحتياجات المادية للأبناء من مسكن وملبس ومأكل و تعليم و ترفيه فهي في المقابل تعمل على إهمال الدور الأهم الواجب عليهم ألا و هو المتابعة التربوية وتقويم السلوك وتعديل الصفات السيئة و التربية الحسنة ويحدث هذا نتيجة انشغال الأب أو الأم أو هما معا عن تربية أبنائهما و متابعتهم مع إلقاء المسؤولية على غيرهم من المدرسين أو المربيات في البيوت ، و إلى جانب هذا الإهمال يعتبر العنف الأسري من أهم أسباب التنمر فالطفل الذي ينشأ في جو أسري يطبعه العنف سواء بين الزوجين أو تجاه الأبناء لابد أن يتأثر بما يشاهده أو ما يمارس عليه، فيميل إلى ممارسة العنف والتنمّر على الطلبة الأضعف في المدرسة.
لقد ارتفعت ظاهرة العنف بالوسط المدرسي عموما إلى مستويات غير مسبوقة وصلت حد الاعتداء اللفظي والجسدي على المدرسين من طرف التلاميذ وأولياء أمورهم فتراجعت هيبة المعلمين وتأثيرهم داخل الفصل واندثر الاحترام الواجب بين المعلم وتلاميذه الأمر الذي شجع بعضهم على التسلط والتنمر على البعض الآخر. هذا بالإضافة إلى التدريس بالطرق التقليدية وغياب الأنشطة الموازية داخل المدارس واختزال الحياة المدرسية في الأنشطة الرسمية التي تمارس داخل الفصل في إطار تنزيل البرامج الدراسية. كما ساهمت الألعاب الالكترونية في إبداع أشكال أخرى من التنمراذ تعتمد عادة على مفاهيم القوة الخارقة وسحق الخصوم واستخدام كافة أساليب الفوز دون أي هدف تربوي. ما يجعل الأطفال المدمنين على هذه الألعاب يمارسون حياتهم في مدارسهم أو بين معارفهم والمحيطين بهم بنفس الأسلوب. وإلى جانب ذلك نلاحظ ما يعرض على قنواتنا الوطنية من أفلام سواء كانت موجهة للكبار او الصغار تزايد مشاهد العنف والقتل الهمجي بشكل كبير ولا يخفى على أحد خطورة هذا الأمر خصوصا إذا استحضرنا ميل الطفل إلى تصديق هذه الأمور وميله الفطري إلى التقليد وإعادة الإنتاج.
إن ظاهرة التنمر المدرسي، البلطجة، الاستقواء، هي أسماء مختلفة لظاهرة سلبية ومشينة يجب التصدي لها بكل حزم لأن نتائجها جد وخيمة على المستوى البعيد فلا يمكن لجيل يتربى على الخوف أو الاستقواء أن يكون ناجحا ولا أن يكون قدوة مستقبلا. وأول خطوة لعلاج هذه المشكلة هو الاعتراف بوجودها، تليها مرحلة التشخيص للوقوف على حجم هذه الظاهرة في المدارس ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى انتشارها وتحديد المستويات الدراسية التي تفشت فيها أكثر من غيرها. كما يحتاج إلى مقاربة تشاركية للحد من انتشارها في صفوف التلاميذ بالتعاون بين الإدارة التربوية والطلبة والمعلمين وأولياء الأمور وذلك بتوعيتهم بماهية سلوك التنمر وخطورته. واشراك المجتمع المدني والشركاء المؤسساتيين للمدرسة من اجل محاربة هذه الظاهرة، من خلال تطوير برنامج مدرسي واسع يكون الهدف منه تغيير ثقافة المدرسة، وتأكيد الاحترام المتبادل مع تشديد المراقبة واليقظة التربوية للرصد المبكر لحالات التنمر ومنع ظهوره. فالضحايا يحتاجون لدعمهم نفسيا ومساعدتهم وتفهم معاناتهم وحثهم على الحديث عما يتعرضون له. وكذا توعيتهم بكون المتنمر شخص ضعيف وليست له تلك القوة التي يتصورونها. مما يستوجب تفعيل مراكز الاستماع مع ضرورة توفير أطر الدعم النفسي والاجتماعي داخل المؤسسات التعليمية. أما المتنمرون، فمن اللازم ردعهم ومعاقبتهم بصرامة، وذلك من أجل إعادة تقويم سلوكهم العدواني وإعادة زرع المبادئ الأخلاقية لديهم.
صقلي حسيني زهراء / فاس