أقرت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة حُكماً قضائياً مبدئياً يتعلق بإحدى قضايا الاتجار غير المشروع في المخدرات، حيث قضى باستبعاد محضر للشرطة بسبب عدم شرعية الدليل الجنائي بعد قيام ضابط أمن بتفتيش هاتف أحد المشتبه فيهم وقراءة الرسائل النصية من دون أمر قضائي.
وقضى الحكم، الذي نشرته جمعية المفكرة القانونية، أيضاً باستبعاد محضر لمتهم آخر رفض التوقيع عليه، بعدما تبين للمحكمة وُجود تناقض بين سبب رفض التوقيع وما تم تضمينه في محضر الشرطة.
وتعليقاً على هذا الحُكم، الصادر في 18 يونيو المنصرم، قال خُبراء الجمعية إن “أهميته تتمثل في أنه يُعد من بين التطبيقات القضائية النادرة التي تكرس رفض ممارسة تفتيش الهواتف من طرف عناصر الشرطة دون الحصول على إذن قضائي، وإن تعلق الأمر بحالة تلبس بالجريمة، ويكرس هذا الحكم ضماناً للحق في حماية الحياة المكفول دستورياً”.
وتعود حيثيات هذه القضية إلى 29 شهر أبريل الماضي، حينما توصلت عناصر الشرطة القضائية بمنطقة المهدية، نواحي القنيطرة، بإخبارية مفادها أن شخصين يقومان بترويج المخدرات بالقُرب من السوق النموذجي بالمدينة.
وأشار نص الحكم إلى أنه بعد توقيف الشخصين وإخضاعهما لتفتيش جسدي، عُثر بحوزتهما على قطعتين صغيرتين من مخدر الشيرا ومبالغ مالية، وفي تلك اللحظة رنّ هاتف أحدهما، فأجاب عن الاتصال ضابط الشرطة مُحرر المحضر، فطالبه المُخاطِبُ بما يلي: “أنا أنتظرك أحضر معك أي شيء”، وبعد فحص هاتفه، وعُثِر على رسالة نصية بينه مع صديقه يطلب منه تزويده بقطع، وقد تم توقيف هذا الأخير أيضاً.
وعند الاستماع للمشتبه فيهما، اعترفا بحيازتهما للمُخدرات بغرض الاستهلاك والمتاجرة؛ غير أن أحدهما رفض التوقيع على مَحضر الاستماع إليه، في حين أكّد الثالث تَعاطيه لاستهلاك المخدرات. كما عاينت الشرطة أيضاً خرق المشتبه فيهم لقانون الطوارئ الصحية، نظراً لعدم توفرهم على رخصة التنقل الاستثنائي وعدم ارتداء الكمامة.
وبناء على ذلك، قررت النيابة العامة متابعة الأول والثاني في حالة اعتقال من أجل الاتجار في المخدرات؛ بينما تابعت المتهم الثالث من أجل استهلاك المخدرات في حالة سراح.
بُطلان محضر الاستماع
خلال المحاكمة، أثار دفاع المتهم دفعاً ببُطلان محضر الشرطة نظراً لكون موكله رفض التوقيع عليه لأنه غير موافق على التصريحات المدونة فيه، حسب إفادة محرر المحضر.
وقد استجابت المحكمة لهذا الدفع بعدما تبيّن لها، حسب المحضر، أن المتهم “رفض التوقيع” عليه، وتم ذِكر السبب في ذلك بالعبارات التالية: “بعد قراءة المصرّح لمحضر أقواله، وافق على ما جاء فيه، وأصرّ دون أن يُبدي أي ملاحظة أو يرغب في أي زيادة أو تغيير أو حذف، فرفض التوقيع مُعللاً أن ذلك سوف يورطه أكثر”.
واعتبرت المحكمة تبعاً لذلك أنه “من غير المستساغ، عقلاً وقانوناً وواقعاً، أن يُعبر المتهم عن موافقته الكُلية على ما نسب إليه في هذا المحضر من تصريحات، وإصراره عليها من دون إبداء أي ملاحظة بخصوصها، ثم يعترض، في نفس الآن، على نسبتها إليه بعلة أنها ستورطه أكثر؛ إذ لو كان المتهم متخوفاً من توريط نفسه، حقيقةً، بهذه التصريحات لأَحْجَم عن الإدلاء بها منذ البدء في إجراء الاستماع إليه، مما تكون معه ضمانة الإشارة إلى رفض التوقيع وعِلَّته المبينة بذيل المحضر المذكور لم تُنجز على الوجه القانوني السليم”.
المشروعية الدستورية
وأشار الحكم أيضاً إلى أن “ردّ ضابط الشرطة القضائية بنفسه على اتصال هاتفي ورد على رقم نداء المتهم إثر إيقافه واستخراج مضمون بعض محادثاته عبر تطبيق “واتساب” واستعمال ذلك كدليل ضده جاء مخالفاً لمبدأ “المشروعية الدستورية” بخرقه لسرية الاتصالات الشخصية المكفولة دستورياً للمتهم شأنه في ذلك شأن كل المواطنين”.
وذكرت المحكمة أن “الاتصالات لا يُمكن الترخيص بالاطلاع عليها أو باستعمالها ضد أي شخص إلا بأمر قضائي، سواء كان هذا الأمر صادراً عن النيابة العامة أو قضاء التحقيق أو قضاء الحكم تطبيقاً للفقر الثالث من الفصل 24 من الدستور الذي جاء فيه: “لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها، ولا يُمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضاً، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون”.