رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية
فخامة السيد المحترم امانويل ماكرون
رئيس الجمهورية الفرنسية
اسمحوا لي السيد رئيس جمهورية فرنسا المحترم، بأن أوجه لكم هذا الخطاب / الرسالة المفتوحة من قلب مدينة رباط المملكة المغربية، لتعذر توجيه الكلام لكم مباشرة .
فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية،
لن أعود بكم ، و بالرأي العام الوطني ، و الدولي إلى تاريخ العلاقات المغربية – الفرنسية منذ مئات السنين، و لن أتوقف عند محطات سياسية كبرى بين البلدين، في سياقات دولية متقلبة تقف على قرنين اثنين، و لن أذكر بما عرفه المغرب و فرنسا من نقاط قوة في علاقتهما، و طبعا نقاط ضعف لأسباب غالبا ما تزول بسرعة، لكني سأذكركم بأهم محطات مرحلة تقلدكم رئاسة الجمهورية الفرنسية .
ننطلق أولا من أنه للمغرب و فرنسا علاقات ثنائية متجذرة، و ممتدة في التاريخ، و مؤسسة للمستقبل، تعتمد الحوار و اللقاءات الدورية للتشاور في قضايا إقليمية و جهوية و دولية عدة مرتبطة بالأمن بكل أنواعه، و بالهجرة و بالاقتصاد و غير ذلك من المجالات.
و ثانيا، و لعمق تلك العلاقات، و لبعث كل رسائل الاطمئنان بين البلدين، و للرأي العام الدولي، زار جلالة الملك محمد السادس فرنسا في زيارة الدولة الأولى بعد تربعه عرش المملكة المغربية، و كان ذلك في مارس 2000 ، و شهرا بعد انتخابكم رئيسا للجمهورية الفرنسية، قمتم بأول زيارة دولة خارج أوروبا إلى المملكة المغربية خلال شهر يونيو 2017. و بمعية جلالة الملك محمد السادس، قمتم يوم 15 نونبر 2018 بتدشين خط القطار فائق السرعة الرابط بين طنجة و الرباط، و في ذلك إشارة قوية دبلوماسيا و سياسيا و اقتصاديا، و أيضا تذكير بما يربط المملكة المغربية و الجمهورية الفرنسية من علاقات منتظمة، تتطور بتطور العالم، و تقوم على الاحترام و الاستشارة، و تبادل المعطيات لما فيه خير البلدين، تنتهي دائما بالتوقيع على اتفاقيات تعاون و شراكة، كانت آخرها تلك التي وقعت يوم 19 دجنبر 2019 بحضور رئيسي الحكومتين المغربية و الفرنسية ، و التي همت قضايا المناخ والبيئة والشباب و اللامركزية و مستقبل إفريقيا في ظل التطورات المتسارعة لعالم اليوم .
و هنا لا بد من التذكير بحجم تطور العلاقات المغربية الفرنسية ، و الطفرة النوعية التي عرفتها مباشرة بعد تولي جلالة الملك محمد السادس الحكم ، فمؤشر الاقتصاد عرف قفزة نوعية غير مسبوقة ، و معدل الزيارات بين البلدين تكاثرت و تحسنت مردودياتها، فكل القطاعات الحكومية تبادل مسؤولوها الزيارات و الرأي ( الخارجية ، و القوات المسلحة ، و العدل ، و الداخلية ، و الاقتصاد ، و المالية ، و التربية و التكوين ، و البيئة و الثقافة ، و الشباب و غيرها ) ، وبما أن الجوانب الاقتصادية، و المصالح غالبا هي التي تحرك، و تؤطر السياسات العامة للدول، اسمحوا لي بأن أذكركم سعادة الرئيس أن فرنسا تظل شريكا اقتصاديا أساساً للمملكة المغربية، و أنتم مطلعون على حجم الواردات، و الصادرات بين البلدين خلال العشرين سنة الماضية، و التمويلات، و القروض التي يلجأ إليها المغرب لمشاريع متعددة، و تستحضروا لائحة الشركات المستثمرة في المملكة المغربية في مجالات متعددة منها الخدمات، و الاستيراد و التصدير و الاستثمارات التي يقودها المغرب و فرنسا في دول أفريقية بما يقارب 1000 شركة هناك.
فخامة الرئيس المحترم،
تعلمون جيدًا أن ذاكرة الشعوب لا تموت، بل تنتقل من جيل إلى جيل، و أن المجالات الثقافية، و المعرفية مفتاح الذاكرة التي تظل حية بحياة الأمم، و لذلك بين المملكة المغربية و الجمهورية الفرنسية شراكات تعاون قوية في مجالات الثقافة و العلوم و التربية و التكوين منذ سنوات نلخص مظاهرها في ما يلي :
✓ يوجد في المغرب ما يقارب 50 مؤسسة تعليمية معتمدة يلجها 50000 تلميذ و طالب، أغلبهم من المواطنين المغاربة.
✓ التفوق المسجل في أغلب المباريات التي يجتازها الأجانب لولوج المدارس العليا في فرنسا، للتلاميذ و الطلاب المغاربة .
✓ اعتمادكم على سياسة توسيع خارطة المعاهد الفرنسية بالمملكة المغربية.
& المكانة التي تحضى بها اللغة الفرنسية في التربية و التكوين و المالية و الاقتصاد .
✓ الشراكات الموقعة بين قطاعات التربية و التكوين الفرنسية و المغربية، و التي تخص مجالات البحث العلمي و الابتكار و التكنولوجيا و الفلاحة و الأوبئة و الطب و قضايا المناخ و البيئة و الطاقات المتجددة و غيرها.
و بالمناسبة ، لا بد من التذكير بالأدوار الطلائعية و المتميزة التي قامت بها المملكة المغربية دوليا خلال مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالمناخ سنة 2016 بمدينة مراكش، و الرسائل القوية التي بعث بها المغرب من خلال مشاركة جلالة الملك محمد السادس مرفوقا بولي العهد مولاي الحسن في مؤتمر قمة الكوكب الواحد سنة 2017 .
فخامة الرئيس المحترم،
توجد بالمغرب سفارة و ست قنصليات فرنسية، و تفعيلا لأمر صادر عن الدولة الفرنسية عمدت كلها إلى تقليص أعداد الحاصلين على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الفرنسية إلى أقل من النصف ، و توصلت الأعداد الهائلة من المواطنين المغاربة برفض تسليمهم التأشيرة لأسباب غالبا ما تكون غير مفهومة، و لا منطقية، و لا عقلانية، فقد تم رفضها للأساتذة الباحثين و الأطباء و السياسيين و المهندسين و أصحاب الشركات الكبرى و المتوسطة و حتى الطلاب المسجلين لمتابعة دراساتهم بالجامعات الفرنسية، و الذين أنهوا كل الإجراءات المطلوبة، لا رفضت لتجمعات عائلية نتج عن ذلك ازمات اجتماعية …
فكيف سينظر هؤلاء إلى الجمهورية الفرنسية ؟ ! و كيف سينظرون إلى ما يقارب 55000 مواطن فرنسي يعيشون في المملكة المغربية ؟ و ما يقارب النصف منهم له الجنسيتين ؟!
ألن يكون لذلك تأثير نفسي و غيره على العلاقات المغربية الفرنسية مستقبلا ؟ و هم يعلمون علم اليقين أن ما أدوه من واجبات الحصول على التأشيرة تؤدى به أجور الموظفين، و المستخدمين بالسفارة، و القنصليات الفرنسية بالمغرب ، بل حتى مصاريف البنايات و التجهيزات و غيرها، و في ذلك مساهمة للمغاربة في مالية فرنسا ؟
هل تعتقدون فخامة الرئيس المحترم أن المغرب ما زال كما كان قبل الاستقلال و بعده بسنوات ؟ مغرب القرن الواحد و العشرين يتغير كل يوم ، و هو ينخرط بجدية في الدينامية التي يعرفها عالم اليوم المتعدد الأقطاب ، و المتغير جيوسياسياً باستمرار ، و هو يتطور في كل المجالات بتدبير محكم و فعال ، و الآت أفضل.
لذلك نوجه لكم نداءً مفتوحا بأن تغيروا النظارة التي تنظرون من خلالها لمغرب اليوم، فالأمس ليس كاليوم، و لن يكون كالغد طبعًا ، و لنحرص جميعًا على الإبقاء على العلاقات المتميزة بين البلدين ، فالهدم سهل و إعادة البناء تكون دائمًا صعبة إن لم تكن مستحيلة بعد فوات الأوان.
فخامة الرئيس المحترم ،
لفرنسا كل الحرية في اختيار حلفائها، و تسطير سياساتها العامة في علاقاتها الدولية، كما للمغرب كل الحق في ذلك ، لكننا نسجل بقلق كبير أن تختار الجمهورية الفرنسية خطة عدم الوضوح، و أسلوب الضغط على دولة لها معها تاريخ حافل، و إمكانات اقتصادية و استثمارية تتطور يومًا عن يوم، و بما أن سياسة الجمهورية الفرنسية قامت غالبًا إما على احتواء الآخر و سلبه استقلاله، و إما على ترجمة علاقاتها الى الربح المادي ، ندعو المسؤولين هناك إلى تصريف كل العلاقات المغربية – الفرنسية إلى عملتها ، لتقف على حجم ما تستفيد منه الجمهورية الفرنسية في علاقتها مع المغرب المستقر، و الذي لا تتبدل سياسته الخارجية بتبدل الحكومات، فهناك خط مبدئي و مستقيم و متطور في سياسة المغرب الدولية، و هذا من نقط قوة المملكة المغربية .
لكل ذلك فخامة الرئيس المحترم، أوجه لكم نداءً بأن تستحضروا التاريخ المتميز للعلاقات المغربية الفرنسية ، و المستقبل الواعد لهاته العلاقات في كل المستويات ، فتعدلوا عن أسباب هذا التوتر غير المفهوم بين البلدين، و تعتمدوا سياسة واضحة تجاه المملكة المغربية و قضاياها الحيوية، فما يربط البلدين أقوى مما قد يفرقهما، و آنذاك ستجدون في الدولة المغربية الحليف الاستراتيجي الذي لا يغير مواقفه، و سياساته بمجرد تغير الحكومات أو المصالح .
و لكم مني التقدير و الاحترام في البدء و الختام.
الرباط في 24 غشت 2022
الأستاذ محمد الدرويش
فاعل أكاديمي و سياسي و اجتماعي