أمة ( اقــرأ ) لا تقـرأ

كتابات في زمن كورونا Corona من وراء القضبان :

أ – ما هو الباب الذي تفتحه القراءة لأمة ( اقرأ ) باب الأمل أم باب الوجع ؟
ب – للقراءة مآزقها و كمائنها فهل تستطيع أمة ( اقرأ )النجاة من هذه المآزق إن هي عادت للقراءة؟
يقود هذا المقال إلى سفر شيق يهب خصوصيته للمتلقي بوصفه شهادة حسن النية في مصاحبة القراءة و لأسرارها الخبيئة في طرح قضايا جمالية و تخيلية لتأسس شروط و جودها في الكون بصفة عامة و في أمة ( اقرأ ) بصفة خاصة التي لم تعد تقرأ ـ للأسف ـ ، مقال يتجسس بعمق على المناطق الخفية للقراءة، فهو لا يقدم أسئلة بقدر ما يثير أسئلة في وجود أمة ( اقرأ ) لا تقرأ ، هي مقدمة لا تريد توجيها مسبقا أو انتقادا لأمة ( اقرأ ) بقدر ما هي تحريض العين على القراءة بضوء العقل، فهذا الأخير دليل الإنسان بقوة بصره و بصيرته في ارتياد المجهول، و اكتشاف الألغاز و الأسرار لعالم آهل بالعجائب و الغرائب .

أستغرب جدا من أمة (اقرأ) لا تقرأ حتى من بقي منهم يقرأ يقرؤون متى شاءوا كأنهم يأكلون أو يشربون، و النتيجة معروفة لدى هؤلاء، فهم يتماشون مع الذوق التقليدي للمتلقين، و لا يطورون في القراءة شيء رغم أنها من وظيفة القارئ، فالقراءة لا تبحث عن الاستفادة من الأشياء كي تكون قراءة إنما هي تحكي الشيء بلغتها كما تراه هي في زمنها، أليس الكون بدون قراءة / قراء خراب و دمار؟ .

إنه سؤال في غاية الصواب و الأهمية خاصة بالنسبة لأمة ( اقرأ )، فالقراءة ضرورية انسانية تضفي على الحياة بكل مكوناتها و مكنوناتها عبقا من لذيذ الضوء على عتمتها المؤلمة، كما أن القراءة تصبغ العالم بألوان الحب، و بكل مفردات معجم الجمال، فكل وقت / أوقات القراءة هي لحظات شرسة تنهش في القارئ كل شيء، إنها تحمله إلى أراضي جديدة و مناخ مغاير لكل لحظة و هي لا تشبع كذلك من انهاك قارئها كلما مارسها و هي أيضا وقت/أوقات حب بينها و بين قارئها حين يوافقهما اللقاء و يختلفان فيه على بعضهما حتى الامتزاج الذي لا يمكنه أن ينجح في عبور القراءة، لأن صهوتها تعلو و تهبط ، تتسع و تضيق بين لحظة و أخرى ، تكتم الأنفاس و تزيد من ايقاع ضربات القلب كأنها الدخول في رحم الموت لاستخراج شهادة ولادة خاصة في ظل التطور الحاصل في المجتمعات .

لقد أصبحت القراءة بالنسبة لأمة ( اقرأ ) هي الفرصة الوحيدة لتنصت إلى عزلتها و أحلامها، و آلامها نعم هي فرصة لكي تنصت إلى باطنها “المدغول” بخصوصيته و خصائصه و صراخه المشحون بزخم الرغبة إلى إثبات أسئلة الحلم / الوجود ، أمة ( اقرأ ) تخاف الحقيقة العارية غير المغطاة بألف قشرة و قشرة، و أنه من قراءتها ستكشف عن حال لها لا يقبله المجتمع المريض بالانفصام، و بالتالي هو ما يصيب مكانتها الاجتماعية و الاعتبارية، و هي في جميع مراحلها تخاف من كشف حقيقتها قولا و كتابة و تشعر أن انكشاف هذه الحقيقة هتك لسترها .

مما لا شك فيه، أن غياب القراءة وسط أمة ( اقرأ ) قاس جدا، و يبقى الأثر الذي لا يمحى و في هذا عزاء لهذه الأمة، فلم يرى أي اهتمام حتى لدى المثقفين المهتمين ربما بسبب ضيق قنوات الاتصال أو لغياب الساحات الثقافية حد الفجيعة، و هذا جزء كبير من الإحباط الشخصي ، لكل قارئ مرجعياته التخيلية و الجمالية لبناء عالمه و التي لا يمكن حصرها لأنها قراءة للحياة بكل مكوناتها التي تتراكم لحظة إثر لحظة لتشكل المصادر و المراجع الفكرية و الجمالية ، فالقراءة تجديد دائم، و هي حلقات متشابكة يضيف كل قارئ حلقته إليها، صحيح أن قطع الحبل السري ضرورة حياتية لكن هذا لا يعني القطع مع الموروثات الجينية للقراءة الأمر الذي سقطت فيه أمة ( اقرأ ) .

عموما، شخصيا فكم أتمنى أن تغدو القراءة وجبة حب يومية للإنسان، فهي فعل تجدد به العلاقة بين الكلمات و الواقع و في نفس الوقت تمنيت و أنا أقرأ و أكتب ما أقرأه أن تكون للقراءة بالذات لغة واحدة حتى تجعلها كونية، فالكائنات البشرية خلقت لكي تفكر و القراءة شرط لاستمرار الحياة، وأظن أن مستقبلنا يعتمد على مدى معرفتنا و قرائتنا للكون بما هو موجود، و ما وجد و ما سيوجد من هذه المعادلة.

أليس من واجب أمة ( اقرأ ) التي لم تعد تقرأ أن تنظر في مرآتها الخاصة، ثم في مرايا الآخرين لعلها تنبعث من رمادها ؟ هل تمثل القراءة ضمير أمة ( اقرأ ) ؟ إذا كان الأمر كذلك من حقنا أن نسأل و بإلحاح : هل تستطيع أمة تحيى هذه المفارقة القاسية أن تحرز نصرا أو أن تصون قضية؟ .
عبد الاله شفيشو
السجن المحلي شفشاون

Exit mobile version