اعترافات من داخل السجن – الاعتراف الأول (01)

أنا موجوع :
بالأحرى أنا إنسان موجوع أظن أن بي شيئا ما وعلى كل حال وجعي أنا لا أفهم فيه وما يؤلمني حتى وإن كنت أحترم الطب والأطباء فإني لا أعالج نفسي فمنذ زمن بعيد وأنا أعيش على هذا النحو لكن أتعلمون ما الذي ظل يشكل الجوهر الأساسي لنزعة الوجع عندي؟ ، لم أكن أعرف قط بل ظللت لا أعرف كيف أصير أي شيء يذكر على الإطلاق لا شريرا، لا طيبا، لا دنيئا، لا شريفا ، أريد الآن أن أحيطكم علما بأن إفراطي وتوهمي في امتلاكي للوعي هو علة وجعي حقيقية فمستوى وعي عادي قد كان يكفيني في تدبير شؤون حياتي اليومية، قد تقولون في قرار أنفسكم لا أكتب هذا إلا لإبهاركم والتهكم عليكم لكن من الذي يتباهى بأوجاعه ويتبجح بها؟ ، فأنا أتصف بعزة نفس مخيفة وسريع التأثر فلقد شعرت دوما في قرارات نفسي بأني أذكى من كافة المحيطين بي وكنت أحس من جراء ذلك ببعض الريبة أني مذنب لكوني حتى وإن كنت أحظى بنوع من السمو الروحي فإني لم أشعر جراء ذلك سوى بألم أشد من وخز الوعي فأنا لم أعرف الصفح ولن أعرف النسيان كذلك وعلى افتراض أني تنازلت عن السمو الروحي كانت تنتابني نزعة الانتقام خاصة من كل ممن أحببت.
أحد أصدقائي كان متزوجا عن حب مع سبق الإصرار والترصد انتهى زواجه بالطلاق، سألته يوما:
لماذا تطلقتما …؟
أجاب: لأننا لم نعد نحب بعضنا،
سألته: وأين ذهب كل ذلك الحب …؟
أجاب بحزن: أظن أن أقسى ما في الانفصال ليس هو فشل الزواج ولا تشتت الأسرة بل هو أن تتوقف عن حب من كنت تظن بأنك لن تحب يوم سواه.
في ذلك اليوم وأنا في زنزانتي جالس في سريري وراء القضبان أخافتني فكرة( أن تتوقف عن حب من كنت تظن بأنك لن تحب يوم سواه ) ومن أحببت في هذه الحياة بعيدون جدا مخذولون حتى اللانهاية ومحبطون و أعرف إلى أي درجة من الإحباط و صلتم لكني أعرف أيضا أن احباطي تجاوز حدود احباطكم بحيث بت لا أملك شيئا بعد أن كنت أملك كل شيء بوجودكم فأنتم من أخبرتموني يوما بأنني سأموت وحيدا مجنونا ، فها أنا صرت وقد وهن العظم مني و اشتعلت اللحية شيبا غير أن ذاكرتي ظلت وقادة لم يتسرب اليها الضعف و لا مرض النسيان فكلما فكرت في تلك الأحداث أكثر كلما تساءلت كيف يكون الحال حين يكون للإنسان ملاذ يذهب إليه حين يشعر بالضياع و بالحاجة إلى إعادة حساباته في الحياة ؟ تساءلت ما يكون عليه الحال حين يكون إنسان موجوع قادر على الزحف إلى بيته ويكون له من ينتظره ويعطيه ابتسامة الأمل في ال؟ حينها شعرت بأنني بلا قيمة ولا أعرف ما الخطوة التالية التي على اتخاذها.
وأنا بصدد اعترافاتي هذه توقفت عند حكاية ( قيس وليلى ) فعندما وصل الخبر إلى الخليفة العباسي ” هارون الرشيد ” بكون أحد شعراء زمانه جن بغرامه ل” ليلى ” استبد به الفضول لمعرفة تلك المرأة فلما وقفت أمامه خاب أمله و سألها: أ أنت المرأة التي جن بسببها ذلك المجنون؟ ما الذي يميزك؟، ابتسمت وأجابت: نعم أنا “ليلى” ولكنك ليس بمجنون ” ليلى “والمطلوب منك أن تراني بعيني مجنون “ليلى” وإلا فلن تتمكن من حل هذا اللغز الذي يسمونه الحب، فالحب لا يمكن تفسيره بل أن تعيشه فهو من يفسر كل شيء.
عبد الإله شفيشو
السجن المحلي تطوان / الصومال

Exit mobile version