بعد المرحلة الأولى من إجراءات عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تمثلت بتصويت مجلس النواب لصالح محاسبته، يتطلب استكمال العملية عددا من الخطوات على صعيد مجلس الشيوخ، بحسب الدستور الأميركي.
وبمجرد انتهاء التصويت في مجلس النواب على قرار العزل، يجب على رئيسة المجلس نانسي بيلوسي إحالة اللائحة إلى مجلس الشيوخ على الفور، أو يمكنها الانتظار لفترة. وقيام بيلوسي بتعيين 9 مديرين لعملية العزل لمرافعة القضية ضد ترمب في محاكمة مجلس الشيوخ، يوحي بأنها لن تتأخر في إحالة الوثائق إلى الشيوخ.
وبمجرد إتمام هذه الخطوة التي تجري عادة من خلال المسيرة الرسمية من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، يتعين على زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ أن يبدأ عملية المحاكمة، حيث يقوم المجلس بمراجعة ملف الاتهامات النيابية والاستماع إلى الحجج القانونية، ليواجه الشخص المعني بالعزل المحاكمة والعقوبة المحتملة.
واعتبرت بيلوسي مساء الأربعاء أنّ القرار الاتّهامي الذي أصدره لتوّه مجلس النواب بحقّ الرئيس ترمب لمحاكمته أمام مجلس الشيوخ، للمرة الثانية، بقصد عزله يثبت أنّ “ما من أحد فوق القانون”.
وقالت بيلوسي لدى توقيعها على القرار الاتّهامي تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشيوخ إنّ “مجلس النواب أظهر اليوم، بمشاركة من الحزبين، أنّ ما من أحد فوق القانون، ولا حتّى رئيس الولايات المتّحدة”، مكرّرة التحذير من أنّ ترمب يشكّل “خطراً واضحاً وفورياً” على البلاد.
ووفقا للدستور الأميركي، فإن “لمجلس الشيوخ وحده سلطة في إجراء المحاكمة في جميع لائحة الاتهام النيابي. وعندما يجتمع مجلس الشيوخ لذلك الغرض، يقسم جميع أعضائه باليمين أو بالإقرار. وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة، يرأس رئيس المحكمة العليا الجلسات”.
وينص الدستور على أنه “لا يجوز إدانة أي شخص دون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين، ولا تتعدى الأحكام في حالات الاتهام النيابي حد العزل من المنصب، ومنع تولي وشغل منصب شرفي أو يقتضي ثقة أو يدر ربحا في الولايات المتحدة، ولكن الشخص المدان يبقى مع ذلك مسؤولا وخاضعا للاتهام والمحاكمة والحكم عليه ومعاقبته وفقا للقانون”.
وهناك فترات زمنية محددة للمرافعات والردود عليها، وجميع أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ التي تعرض على مجلس النواب ومحامي ترمب، يجب أن تقدم كتابة وتُتلى من قبل رئيس القضاة.
ومن غير المعروف، حتى الآن، متى يمكن أن تبدأ المحاكمة بعدما أوضح زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أنه لن يعيد أعضاء مجلس الشيوخ حتى اليوم الأخير من ولاية ترمب وهو 19 من يناير، على أحسن تقدير.
ومن المؤكد أن المحاكمة لا يمكن أن تُنجز في يوم، بل ربما تمتد لأسابيع، لذلك من الناحية العملية فإنه لا يمكن بدء المحاكمة إلا بعد تنصيب الرئيس المنتخب، جو بايدن، في 20 يناير.
وأعلن ماكونيل، الأربعاء، أنّه من غير الممكن إجراء محاكمة “عادلة أو جادّة” للرئيس ترمب في غضون الفترة القصيرة المتبقية له في البيت الأبيض وقبل تولّي الرئيس المنتخب جو بايدن السلطة الأسبوع المقبل.
وقال ماكونيل “بالنظر إلى القواعد والإجراءات والسوابق في مجلس الشيوخ والتي ترعى المحاكمات الرامية لعزل الرؤساء، فبكلّ بساطة ليست هناك أيّ فرصة لإنجاز محاكمة عادلة أو جادّة قبل أن يؤدّي الرئيس المنتخب بايدن اليمين الدستورية في الأسبوع المقبل”.
ما جدوى محاكمة رئيس سابق؟
ورغم أن الهدف من إجراءات العزل قد تقوم على إزاحة الرئيس الأميركي من منصبه في حال إدانته من قبل مجلس الشيوخ، إلا أنه بإمكان المجلس عقد تصويت آخر للمطالبة بعدم ترشح الرئيس الأميركي مجددا.
وكان ترمب قد أعلن نيته الترشح مجددا للرئاسة في انتخابات عام 2024، إلا أنه عاد واستبعد الفكرة بالقول إنه يفضل التركيز على السنوات الأربع الماضية، وليس السنوات القادمة.
ومن الممكن أن تحول إدانة ترمب دون حصوله على بعض مخصصات ما بعد الرئاسة، مثل المعاش التقاعدي، وفقا لـ”سي إن إن” CNN.
المحاكمة الأولى
وجاءت المحاكمة الأولى لترمب، والتي كانت متعلقة بتعاملاته مع رئيس أوكرانيا، بعد تحقيق مطول والاستماع إلى شهادات عدد من المسؤولين الحكوميين. وبينما انتقد الديمقراطيون بالإجماع تصرفات ترمب واتهموه بإساءة استخدام السلطة، فإن الاتهامات تطلبت تحقيقا في شبكة معقدة من الأدلة.
هذه المرة، يرى الديمقراطيون أنه ليست هناك حاجة كبيرة لإجراء تحقيق، حيث أنه تم اقتحام مبنى الكابيتول على الهواء مباشرة، وكان معظم أعضاء الكونغرس في المبنى أثناء الواقعة.
والمحاكمة السابقة أيدها سيناتور جمهوري واحد فقط، هو ميت رومني، لكن هذه المرة العدد تنامى، ودعا بعض الجمهوريين، بينهم السيناتور عن بنسلفانيا بات تومي والسيناتور عن ألاسكا ليزا موركوفسكي، ترمب للاستقالة.
شيء آخر يجب وضعه في الاعتبار وهو أن السيناتور تشاك تشومر سيصبح زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، بمجرد المصادقة على فوز عضوي مجلس الشيوخ الديمقراطيين عن جورجيا جون أوسوف ورافايل ووارنوك، في الانتخابات النصفية بالولاية.
لكن مع ذلك، من السابق لأوانه تأكيد تصويت الجمهوريين في المجلس لصالح إقالة ترمب، إذ يحتاج مجلس الشيوخ إلى أصوات الثلثين لإدانة ترمب، أي 67 صوتا من إجمالي الـ100 صوت بالمجلس.
وشهد تاريخ أميركا ثلاث محاكمات رئاسية، كانت ضد الرئيس، أندرو جونسون، ونجا منها بفارق صوت واحد، وبيل كلينتون، الذي تمت تبرئته، إلى ترمب في محاكمته الأولى.