غير مصنف

المغرب من الحماية إلى الاستقلال

خلال القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين قامت الدول الأوروبية بحملة توسعية غير مسبوقة مستهدفة الدول الإفريقية و الآسيوية على وجه الخصوص و ذلك بغية الاستيلاء على خيراتها و فتح أسواق لها أمام منتجاتها. ونظرا للموقع الاستراتيجي المتميز للمغرب فقد سعت أربع دول لاستعماره و هي فرنسا، إسبانيا، إنجلترا و ألمانيا.
و لكي تنفرد فرنسا بالمغرب وتبسط نفوذها عليه قامت بتوقيع اتفاقيات مع باقي الدول و ذلك بهدف تخلي هذه الدول عن رغبتها في احتلال المغرب و تنازل فرنسا عن حقها في بعض المستعمرات.
فتنازلت فعلا فرنسا لبريطانيا عن مصر ثم تنازلت لإيطاليا عن ليبيا سنة 1911.
و ظل الصراع محتدما بين فرنسا من جهة و إسبانيا وألمانيا من جهة ثانية حتى إن قيصر ألمانيا شخصيا قام بزيارة لمدينة طنجة سنة 1905 عارضا مساعدته على السلطان عبد العزيز آنذاك مظهرا له حسن نية ألمانيا على عكس بقية القوى الاستعمارية في إشارة إلى فرنسا التي اقترحت على السلطان إصلاح الإدارة والمالية في مقابل توقيع معاهدة الحماية.
اتخذت فرنسا من حادثة رجم طبيب لها في مارس 1907 بمدينة مراكش، دريعة لغزو وجدة انطلاقا من المستعمرة الفرنسية في الجزائر. و كانت هذه بداية الحملة الفرنسية في المغرب من الجهة الشرقية.
و لتخفيف التوتر بين فرنسا و ألمانيا فقد اتفقت الدولتان على عقد مؤتمر دولي حول المغرب في الجزيرة الخضراء. جمع هذا المؤتمر بين اثني عشر دولة أوروبية، و حضرته أمريكا كوسيط. تم الاعتراف ، خلال هذا المؤتمر، لألمانيا بحق التدخل في الشؤون الخارجية المغربية. في حين حصلت فرنسا وإسبانيا على امتيازات خاصة في الأعمال التجارية المغربية و اتفقا على إنشاء شرطة للموانئ، و إنشاء بنك الدولة.
تمردت قبائل الشاوية صيف 1907 على تطبيق بنود معاهدة الجزيرة الخضراء فقتل رجالها عمالا أوروبيين يعملون على السكة الحديدية التي كانت تربط الميناء بمحجر في منطقة الصخور السوداء، ما أسفر عنه قصف فرنسا للدار البيضاء من البحر في غشت من نفس السنة مدعية إحلال السلام في الدار البيضاء وسهل الشاوية، وهو بداية الغزو الفرنسي للمغرب من الجهة الغربية.
أما ألمانيا فقد حاولت جاهدة الحفاظ على مصالحها و امتيازاتها في المغرب، وإرسالها لسفينة حربية إلى مدينة أغادير، في يوليوز1911 لحماية مصالحها ، كان في هذا السياق. و لكنها سرعان ما تخلت عن طموحاتها في المغرب لفائدة فرنسا في نونبر من نفس السنة مقابل تنازل فرنسا عن أراضي لها في الكونغو والكاميرون. فكان هذا بمثابة سماح ألمانيا لفرنسا بفرض الحماية على المغرب.
و في مارس 1912 تم توقيع معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب من طرف السلطان عبد الحفيظ ، و بموجب هذه المعاهدة تم تقسـيم المغرب إلى ثلاث محميات:
• المنطقة الشمالية والمنطقة الصحراوية في الجنوب تحت الحماية الإسبانية،
• المنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية،
• مدينة طنجة خضعت لحماية دولية بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسبانيا.
واجهت المقاومة المغربية هذا الاحتلال في كل أنحاء المغرب : في الشمال ، في وسط البلاد و في الجنوب. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
– في الشمال ثارت منطقة جبالة سنة 1913 خاصة بين الشاون وتطوان ضد الاحتلال الإسباني.
– في وسط البلاد، قاوم موحى أحمو الزياني الاحتلال الفرنسي.
– في الجنوب ،في الصحراء المغربية ، تجمعت حشود المقاومة في الساقية الحمراء بزعامة الشيخ ماء العينين وولده الهبة وانضمام المحاربين لهما من جبال الأطلس والسهول، و ذلك لمقاومة المستعمر الفرنسي و الإسباني .
في يناير 1944، قام رجال الحركة الوطنية بتنسيق مع الملك محمد الخامس، بخوض معركة نضالية حاسمة تجلت في تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى سلطات الحماية الفرنسية.
في أبريل 1947، زار الملك محمد الخامس مدينة طنجة وألقى فيها خطابا تاريخيا تحدث فيه عن وقوفه لصالح تحرير المغرب من الهيمنة الاستعمارية والتحرر الكامل من أي شكل من أشكال السيطرة والتدخل الخارجي. لتندلع بعد ذلك انتفاضة الدار البيضاء ضد التدخل الاستعماري في دجنبر1952. تلاها تفجير السوق المركزي بالبيضاء بداية سنة 1953ردا على عزل السلطان محمد الخامس من طرف الحماية الفرنسية. و قامت بعدها ثورة الملك و الشعب في غشت 1953، احتجاجا على نفي السلطان المغفور له محمد الخامس من قبل سلطات الحماية، معلنة عن انطلاق المقاومة الشعبية.
فتأكد للفرنسيين أنهم لا محالة سيخسرون الحرب ضد المقاومة المغربية العارمة، فتدهورت الأوضاع في المغرب الفرنسي، مما أرغم الفرنسيين على إعادة السلطان محمد الخامس إلى بلاده سنة 1955. وبعد مرور عام أي في 1956 نال محمد الخامس اعترافًا باستقلال المغرب من فرنسا.
وفعلت إسبانيا الشيء نفسه، واعترفت باستقلال المغرب وأعادت إليه الأقاليم المحتلة في الشمال، إلا أنها احتفظت بمواقع تعتبرها ذات سيادة لها خصوصا راس جوبي وطرفاية وإفني، و مواقع أخرى في الجنوب. فشن جيش التحرير المغربي حربًا ضد القوات الإسبانية في إفني سنة 1958، و التي امتدت من سيدي إفني إلى ريو دي أورو، فاسترجع المغرب طرفاية وقلص السيطرة الإسبانية على إقليم إفني إلى محيط المدينة نفسها. وفي 1969 حصل المغرب على إفني بعد مفاوضات شاقة. بعدها بست سنوات ، في سنة 1975، نظم المغفور له الحسن الثاني المسيرة الخضراء لاسترجاع باقي مناطق المغرب الجنوبية من إسبانيا بطريقة سلمية.
و يستمر المغرب في الوقت الحالي بمطالبة إسبانيا بسبتة و مليلية وهما جزآن لا يتجزآن من ترابه.
ارشيد بداق

Leave A Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *